حقائق وحاجات الأزمنة والجغرافية تمكر، وتلزم البشر بالاستجابة لضروراتها قسراً وعنوة أو يسحقون.
هذا درس / قاعدة/ ومسار حكمي للتاريخ وآليات فرض حاجاته على البشر؛ مَن وأين كانوا.
في ٢٠٠٦ أسر جنديين إسرائيليين استوجب حرب تموز التي غيّرت في الأحوال.
عملية طوفان الأقصى التكتيكية والعجائبية فرضت منطق حاجات الأزمنة والجغرافية، ولحظة وجوب التحول من الكمي الى النوعي، واستدرجت الحرب الجارية والوجودية بالنسبة لإسرائيل. وبحسب السيد حسن نصرالله في إطلالاته الأخيرة حرب وجودية ومصيرية، ولم تكن قبل الطوفان في حساب أحد اللاعبين والمؤثرين، وربما تفردتُ بتوقعها، وجزمت بأن حدثاً سيغير في الأحوال، ويؤدي إلى العصف، في سلسلة مقالات منذ بداية ٢٠٢٣ وجزمتُ بأنها سنة نوعية لن تمر بلا حدث كبير، مسرحه غزة، والصراع العربي الصهيوني.
محور المقاومة أعد عدته وجهز جنده وأكمل استعداداته، ووعد السيد حسن نصرالله بالصلاة في الأقصى، وبشّر بدنوّ زمن الحرب الكبرى، وعرّفها بحرب تحرير فلسطين كلها.
إلا أن المحور عمل بكل استطاعته لتأجيل موعدها لغاية في نفسه، برغم أنه يعرف ويقول – وصرّح – بنضج ظروفها، وبامتلاك المحور لكل عدتها، ولقدرته على تحقيق النصر، وبنضج وتوفر كل شروطها وظروفها وبيئاتها.
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين…
ما غزي قوم في ديارهم إلا ذلوا…
تأخر المحور بالمبادرة، وافترض أن الزمن وحاجته طوع يده، وقراره على ساعته .
إلا أن الحقائق ووجوب المهام وحاجات التاريخ فرضت نفسها عنوة وبلا استئذان، فكان طوفان الأقصى لأهداف تكتيكية، ففُرضت الحرب، وقررتها إسرائيل وجودية.
لم يصدق المحورُ نتنياهو، وظل يديرها كجولة، ويكرر الإعلانات “لا نريد الحرب ولا نسعى إليها” وتصرف بدفاعية، وجاءت ردوده على الاغتيالات والتجاوزات تكتيكية ومحدودة، ودون مستوى الردع.. ولو أنه حقاً أبلى بلاء حسناً، وأجاد، وأمّن المسرح الاستراتيجي لعصف الحرب وكسبها… وبرغم ما تحقق من إنجازات، وتأهيل للمسرح، فقد منح نتنياهو فرصاً وبيئاتٍ جعلته يتوهم بأنه سيد الحرب، والمقرر فيها، ويده العليا يفعل ما يشاء، مادام المحور متهيباً ومتردداً ودفاعياً؛ يقرر خطواته وأعماله وأسلحته على ما يبادر إليه نتنياهو.
ولم يتنبه المحور وقادته إلى أن نتنياهو حازم هجومي، متمرد على القوانين والقواعد والتقاليد الناظمة للحروب أو للعلاقات بين الدول، وبأنه يتصرف بما يرغب دون رادع أو ضابط، وبأنه لم يرهب من التهديدات ولا من المعطيات والوقائع، ولم تردعه أزمات إسرائيل وإخفاقات جيشها في غزة، ولا رهب من انكشاف العجز الأمريكي والأطلسي في حرب البحار وفي الاشتباك مع إيران.
توفرت لنتنياهو – وهو القابض على عنق وروح إسرائيل -ما افترضه فرصتَه لفرض مشروعه اليميني والمتطرف، وإنجاز وعده بإسرائيل يهودية خالية من أهل الأرض الأصليين، وزادت ثقته مستقوياً بالموقف العربي والإسلامي الرسمي، وبكمون الحركة الشعبية، وبما حققه مما افترضه مكاسب في استهداف الخبراء والقنصلية الايرانية في سورية، وتعامل مع الرد الإيراني بأنه خجول ومتردد ومرتهب، وكذا اغتيال العاروري في الضاحية. وفي إدارته للحرب مع المقاومة في لبنان توهم أن يده العليا وبأن قدرات إسرائيل لاتُحَدّ، وبأن المقاومة مردوعة، ولن تجرؤ على رفع سقف التحدي والاشتباك.
تجرأ على الضاحية واستهدف قائدا كبيراً، وبذات الوقت تجرأ على إيران واغتال هنية، وهو بضيافة القائد الخامنئي، وفي حصن حصون الحرس وإيران، وسبق أن استعرض العضلات في الحديدة وضرب في العراق.
ما أقدم عليه نتنياهو – وإعلانه مسؤوليته والاعتداد بأفعاله – وضعت إيران ومحور المقاومة وحزب الله، والمقاومة في لبنان والعراق واليمن أمام التحدي، وفي زمن العصف والفصل.
فإن لم تردَّ رداً كاسراً ماحقاً لاجماً، ستقدم نفسها ضعيفة عاجزة مرتهبة، وتعطي نتنياهو فرصة التصرف بأنه منتصر، وصاحب اليد العليا، وتمنحه نصراً سيطلق يده لارتكاب ما هو أعلى بكثير، وما لا يتوقعه أحد. ولن يرتدع في محاولة اغتيال السيد حسن نصرالله، والقائد الخامنئي وقادة محور المقاومة.
نتنياهو رفع سقف التحدي، وضرب العمود الفقري وتحت الحزام، ويستعد لضربات كاسرة ويؤهل مسارحها.
الأمر كله، ومستقبل الحرب والعرب والإقليم – وأبعد بكثير – بات اليوم بيد محور المقاومة، والقرار له؛ إما أن يقبل الصفعة/ الهزيمة وبداية الانكسار المتسارع، ليمنح نتنياهو نصراً تاريخياً في غير زمانه ومكانه، ولا فرص له في الواقع، أو يكون الرد مزلزلاً، ويفتح أوتوستراد تحرير فلسطين من البحر الى النهر، وإنهاء مذبحة ومأساة غزة، ويشطب ما يسميه بالغدة السرطانية إسرائيل.
إن زمن العصف والحسم جارٍ، وآن أوان نقل الزمن من عصر الى عصر.
طال انتظار وعد السيد حسن نصرالله، وهو صاحب الوعد الصادق.
دقت ساعة العصف والحسم، ففي الامتحان يُكرَم المرء أو يهان.

ميخائيل عوض- 🇱🇧 لبنان 🇱🇧