في العام 2011 انطلقت الحرب الكونية الشاملة ضد سورية دولة وشعباً وجيشاً، على أساس تحالفٍ لقوى عالمية وإقليمية ومحليّة، باستخدام حزمة من الأدوات التقليدية وغير التقليدية المركبة والمعقدة، بحيث يمكن اعتبارها واحدة من أكثر حروب العصر الحديث ضراوةً وخبثاً واتساعاً وعمقاً، وامتدت على مدار أكثر من تسع سنوات، راح ضحيّتها مئات الآلاف وتشرد إثرها الملايين.
لماذا سورية؟
ظلّت سورية في مركز اهتمام وخطط الإمبريالية العالمية والصهيونية، كما تعتبر سوريّة مفتاح الأمن القومي الإقليمي وبوّابة مستقبل المنطقة والعالم، وذلك للأسباب التالية:
الأسباب الجغرافية والجيوسياسية
- موقعها في قلب الوطن العربي والإسلامي ومنطقة غرب آسيا، بما تمثله هذه المنطقة من قلب صراعات العالم، ومنطقة استراتيجية من حيث الممرات والمعابر المائية والبريّة ومن حيث الموارد الطبيعية والنفطية؛ فسورية حدودية مع العراق والأردن ولبنان والبحر الأبيض المتوسط، ولها شريط حدودي طويل مع تركيا إحدى دول الناتو، وشريط حدودي ضيّق نسبياً مع الكيان على أرض فلسطين المحتلة.
- موقعها التاريخي ودورها الرئيسي في الحاضنة الحضارية العربية والإسلامية، والحاضنة الحضارية لمجتمعات شرقي المتوسط.
- موقعها التاريخي كقلب بلاد الشام التي ضمت سورية والأردن ولبنان وفلسطين، ودور ذلك في تعزيز الأثر السوري على وجدان باقي الشعوب بلاد الشام.
- موقعها في قلب مشاريع جيو-استراتيجية إقليمية وعالمية؛ مثل مشروع الحزام والطريق الصيني، وبما يمثله من تعارض مع المصالح الأمريكية والمشاريع الأمريكية في المنطقة وبالتالي مع أمن الكيان.
- الكيان يحتل أراضٍ سوريّة منذ عام 1967، ممثلة بهضبة الجولان، ضمتها إسرائيل بشكل أحادي عام 1981، وأقر ترامب أنّها أرض إسرائيلية رغم رفض المجتمع الدولي ذلك؛ وتحوي الجولان ثلث احتياج الكيان من المياه، وتشكل منطقة عازلة من وجهة نظر صهيونية، كما أنّ السيطرة على المرتفعات تمنح الكيان ميزة كبيرة من وجهة نظر جيو-استراتيجية وأمن-قومية.
- موقعها الجغرافي بالنسبة لمحور المقاومة، باعتبارها ساحة رئيسية تربط حلقات المحور جغرافياً.
- الجغرافيا السوريّة غنيّة بالمياه والموارد الطبيعية والنفطية.
الأسباب السياسية والعسكرية
اعتُبر نهجُ الدولة السورية وعقيدتها السياسية والاقتصادية وقوّة جيشها وعقيدته الأمنية، من أهم العوامل التي جعلتها مركز اهتمام المخطط الإمبريالي الصهيوني.
النهج الاقتصادي:
تبنّت الدولة السورية منذ ستينات القرن الماضي نهجاً سياسياً واقتصادياً تمثّل برفض الاندماج بالاقتصاد العالمي الرأسمالي، ورفض شروط المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، وتعزيز الاكتفاء الذاتي والتنمية المحليّة الشاملة، وخفض المديونية الخارجية لحدود صفريّة.
النهج السياسي:
تبنّت الدولة السورية نهجاً سياسياً رافضاً للانخراط في عمليات السلام والتطبيع، وفي المقابل انخرطت في بناء تحالف عالمي لمواجهة قوى الإمبريالية والصهيونية، وتعزيز العلاقات مع قوى الرفض والمقاومة للنظام العالمي مثل إيران وروسيا، ودعم حركات المقاومة في العالم العربي بأشكال مختلفة، وعليه كانت سوريّة من أوائل الدول المدرجة في قائمة الدول الراعية “للإرهاب” التي أعدتها الولايات المتحدة للمرة الأولى عام 1979، وهو عام الثورة الإيرانية، وصنّفها جورج بوش باعتبارها تهديدياً لأمن الكيان.
الجيش وعقيدته الأمنية:
لم يكن هذا النهج ليمثّل تهديداً استراتيجياً لوجود الكيان وللمصالح والمشاريع الإمبريالية في المنطقة لو لم يكن مستنداً إلى جيش قوي ومنظم، فقبل اندلاع الحرب ضد سورية ضم الجيش السوري أكثر 300,000 جندي مع ترسانة أسلحة قوية، ويتبنّى الجيش السوري عقيدة أمنية راسخة وثابتة تقوم في عناصرها الخارجية على العداء الدائم للكيان ومواجهة الإرهاب.
أهداف الحرب على سورية
بدأ الإعداد للحرب على سوريّة قبل سنوات من تاريخ اندلاعها، وهدفت الحرب بشكل رئيسي إلى تحييد سورية باعتبارها تهديداً لأمن الكيان والمصالح الإمبريالية في المنطقة، عبر إضعاف الجيش السوري وتفكيكه وإنهاك الاقتصاد وقلب النظام والإتيان بحكومة مهادنة للكيان ومعادية لإيران والمقاومة ولا ترتبط في تحالفات مع دول مناهضة للنظام العالمي.
أدوات الحرب
تضمنت خطة الحرب على سوريا توظيف مجموعة من الأدوات المركبة وغير التقليدية لتحقيق أهدافها:
- واحدة من أكبر حملات البروبغندا والدعاية في التاريخ السياسي، قائمة على التضليل والفبركة وشيطنة الدولة السورية ونظام الحكم فيها.
- تحالف عالمي وإقليمي ومحلّي.
- ملفات حقوق الإنسان المصطنعة لتبرير التدخل العسكري وتشويه صورة الدولة.
- عقوبات اقتصادية شديدة، وكانت العقوبات الاقتصادية ضد سوريا بدأت منذ عام 2004 وتكثّفت مع الحرب وما زالت مستمرة.
- دعم وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية داخل سوريّة ووحدات “الجيش السوري الحر” و”الشرطة السوريّة الحرة”، وتجهيزهم بعتاد عسكري كامل وبأسلحة أمريكية و”إسرائيلية” الصنع.
- حزم المساعدات بمليارات الدولارات بهدف تعزيز المعارضة الموالية للولايات المتحدة، مثل دعم ما سمّي “المجالس المحلية والنشطاء ومنظمات المجتمع المدني” وبناء قدرتهم على تجنيد الشباب أصحاب الفكر المتطرف والإرهابي، وتدريب ودعم وتمويل ما سمّي ب”الصحافيين وشهود العيان والإعلاميين” وتجنيد وسائل الإعلام القديمة والمستحدثة لهذا الغرض بالتوازي مع حجب الفضائيات السورية ضمن قائمة العقوبات مثل قناة الدنيا والقنوات الفضائية السورية الأخرى من أجل تغييب الرواية الحقيقية التي تقدمها وسائل الإعلام السوري عن العالم .
- الاستهداف العسكري “الإسرائيلي” المباشر للأرض السورية، وقد توازت غالبية الاستهدافات مع عمل الجيوش الإرهابية على الأرض والعمليات التي كانوا يقومون مما كان يمثل جبهة إسناد جوية إسرائيلية، وكذلك تكررت الاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية في كل مرحلة كان الجيش العربي السوري على وشك تحرير أرض من سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة بغية منع الجيش من تخقيق هدفه وهو ماكان يفشل دائما، قام الميان كذلك باعتداءات على مواقع للدولة والجيش السوري مرارا بحجة استهداف قوات إيرانية أو قوات لحزب الله في سورية، قام الميان باغتيال جنرال الحرس الثوري الإيراني الشهيد محمد علي وستة آخرين عام 2015، واغتيال الشهيد سمير القنطار أسير حزب الله المحرر من السجون “الإسرائيلية” وأحد قادته في نهاية نفس العام، بالإضافة لمئات الغارات الجويّة وغير ذلك الكثير..
الحرب على سوريّة لم تنتهِ
نجح كلّ من تركيا والولايات المتحدة في احتلال بعض الجيوب والمساحات من الأرض السوريّة، كما نجحت الحرب في قتل آلاف السوريين وتشريد الملايين منهم، وفي إنهاك الاقتصاد السوري نتيجة الحصار طويل الأمد والعقوبات المستمرة والشديدة وآثار الحرب، ولكنّها فشلت في تحقيق أهدافها بالإطاحة بالنظام بما يمثله من نهج وقيم ومبادئ والإتيان بحكومة جديدة موالية أو مهادنة للولايات المتحدة والكيان، ومن جهة ثانية ساهمت الحرب في تعزيز موقع سوريّة في القوى العالمية المناهضة للإمبريالية والصهيونية وتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية والعسكرية معها، كما عملت الدولة السورية بكثافة على إعادة الإعمار وتسريع التعافي وتعزيز بسط سيادتها الجغرافية، وأدّى انتصار سوريّة دولة وجيشاً وشعباً ضد الحرب الكونيّة الشاملة والمركبّة إلى إفشال وتعطيل المشروع الأمريكي الصهيوني الكبير في المنطقة والذي روّج له تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد”، وقدمت سوريّة نموذجاً ملهماً لدول وشعوب الشرق والجنوب.
ومع اندلاع طوفان الأقصى نجحت سورية في الحفاظ على موقعها في قلب قوى المحور، وممارسة أدوارها في دعم وتعزيز قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية وغيرها بأشكال متعددة، وشهدت مرحلة الطوفان أيضاً ارتفاع حدة الاعتداءات “الإسرائيلية” على الأرض السورية، مع وجود هجمات على “إسرائيل” من داخل الأرض السورية.
الوضع السياسي والعسكري على الأرض السورية الآن شديد التركيب والتعقيد وغير مستقر وقابل للانفجار بأيّة لحظة، خاصة مع وجود الاحتلال الإسرائيلي والتركي والقواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، ومع استمرار وجود معارضة محليّة موالية للأمريكان ووجود جماعات إرهابية داخل السجون وخارجها، يأتي هذا الوضع المعقّد في سياق من تصاعد الحملة الإمبريالية الصهيونية على المنطقة وقواها الحيوية المقاومة واحتدام الصراع العالمي بين الغرب وبقيّة العالم، صراع لن ينته إلّا بتغيير موازين القوى في المنطقة والعالم وستكون سوريّة واحدة من الساحات الرئيسية لهذا الصراع الإقليمي العالمي.
وأكّد الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب في 25 آب لهذا العام أنّنا نعيش اليوم مرحلة تصاعد صراع الغرب مع بقيّة العالم، وأنّ هذا الصراع سيكون أشمل جغرافياً وقطاعياً من حروب القرن الماضي، وبالتالي سيكون أكثر تعقيداً وأعمق تأثيراً على العالم، وسوريّة ساحة أساسية من ساحات هذا الصراع، وعليه يدعو الرئيس السوري على البدء بخارطة طريق شاملة لشحذ سلاح الدولة وتحصين المجتمع على طريق تفعيلٍ أعلى وأقوى للجبهة السورية ضد الاحتلالين التركي والإسرائيلي، ويؤكد على ضرورة تسريع العمل بهذا الاتجاه. وقد قمنا بتحليل خطاب الرئيس السوري سياسياً في مقالنا السابق على هذا الموقع بعنوان: “خطاب الأسد والاستعداد لفتح الجبهة السوريّة.”
علي حمدالله – فلسطين