نفّذ “النشمي” الشهيد ماهر الجازي عملية فدائية يوم الأحد في الثامن من أيلول للعام 2024 على معبر الكرامة على الحدود بين الأردن وفلسطين المحتلّة باستخدام سلاح ناري خفيف (مسدس) وأدّت العملية إلى مقتل ثلاثة من الصهاينة.
ونعتقد أنّ هذه العمليّة تحمل دلالات عدّة، أهمها:
حلقة النار والسقوط المطلق للأمن الحدودي
تأتي هذه العمليّة لإكمال حلقة النار التي تحيط بالكيان الصهيوني وتعلن بصوت الرصاص أنّه في الثامن من أيلول وبعد حوالي أحد عشر شهراً من الطوفان باتت جميع حدود الكيان غير آمنة، مع لبنان وسوريّة والضفة الغربية وقطاع غزّة.
وعلى الحدود المصريّة أيضاً حيث يتصاعد التوتر الدبلوماسي والسياسي إثر الخلاف حول محور صلاح الدين “فلادلفيا” بالإضافة إلى تنفيذ عدّة عمليات عسكرية من الجهة المصرية ضد الكيان وعملية اغتيال رجل أعمال صهيوني في الإسكندرية وكلها خلال الأشهر القليلة من اندلاع الطوفان.
هذا الواقع يشبه واقع أسطورة العقرب المحاط بحلقة نار ويلجأ في النهاية إلى الانتحار بلدغ نفسه، وتأتي هذه العملية في فترة تصاعد الانقسامات العميقة داخل الكيان وتصاعد الاحتجاجات التي يشارك فيها قرابة نصف مليون “إسرائيلي” مطالبين بالذهاب إلى صفقة ووقف الحرب العبثية، وفي سياق من تفاقم الأزمات التي يمر بها الكيان على مستوى الاقتصاد والعزلة الدولية وانهيار العقيدة الأمنية وتحطم صورته أمام العالم وأمام جبهته الداخلية، وفي ظل واحدة من أشد الأزمات الديمغرافية التي شهدها المشروع الصهيوني والتي تتكثّف بهروب أكثر من 700 ألف مستوطن من الكيان معظمهم لا ينوون العودة أبداً، إذن تكتمل حلقة النار حول العقرب الذي ما فتئ يلدغ نفسه باستمرار منذ الطوفان.
نهر الأردن لن يفصل بين ضفتيه
وتشير هذه العملية إلى أنّ تصاعد العدوان الصهيوني في الضفّة الغربية سيعني حتماً ارتفاع حدة الاحتجاجات الأردنية في محيط السفارة “الإسرائيلية” والأمريكية، مع احتمالات عالية لتنفيذ عمليات عسكرية جديدة من جهة الأردن.
ويُعزى ذلك إلى تفاقم الغضب العربي والإسلامي نتيجة مشاهد الإبادة الجماعية في قطاع غزّة ومحاولة الكيان نقل نموذج الإبادة والتهجير إلى الضفة الغربية بشكل عام، وشكل خاص إلى الالتحام والترابط الاجتماعي والديمغرافي والوجداني بين الأردن وفلسطين، فهم شعب واحد وليس شعبين.
وتأتي رمزية هذه العملية في موقعها على الحدود فوق نهر الأردن والتي تفصل فلسطين المحتلّة عن الأردن الشقيق، لتؤكد أنّ نهر الأردن لن يكون فاصلاً بين الضفتين بل جسراً يربط بينهما ومعبراً يستعيد الشعبان من خلاله التحامهما العضوي.
الاستنزاف وراء العدو في كل مكان
تأتي معركة طوفان الأقصى العربية الإسلامية ضد الكيان في إطار من حروب الاستنزاف، وقد واجه الكيان غير المؤهّل لخوض حروب طويلة أو حروب على عدّة جبهات أزمات متعددة لم تنته عند تهاوي عقيدته الأمنية التي بنيت على افتراض القدرة على الردع وسرعة الحسم من خلال الحروب الخاطفة والسريعة، وعلى أساس هذه الافتراضات المتهاوية تم بناء هياكل جيش الاحتلال وتدريبه وتسليحه، وتساهم طبيعة الحرب باعتبارها حرب استنزاف وتسجيل نقاط في الاستنزاف المتدرج والمتسارع لمقدرات وموارد الكيان بما فيها الموارد البشريّة بما يقوّض قدراته على الردع والصمود والهجوم والدفاع، ونجحت حرب الاستنزاف في إبقاء الكيان في موقع رد الفعل على عدة جبهات.
فشل أمني جديد
منذ اندلاع الطوفان طاردت فضائح الفشل الأمني والعسكري والاستخباراتي والاستراتيجي قادة الكيان على كل المستويات، ونفذت عملية “”الكرامة”” في موقع حدودي يتكثّف فيه أعلى أشكال وأدوات الحراسة والأمن والرقابة، وأتت بعد عدة إنذارات أمنية باحتمال وقوع مثل هذه العمليات من جهة الأردن، ورغم ذلك نجح الشهيد سائق الشاحنة ماهر الجازي في تنفيذ العملية بنجاح باستخدام سلاح ناري خفيف، مما يضيف صفعة جديدة لسجل الفشل الأمني على المستويات الاستراتيجية والتكتيكية والعمليّاتية والفنيّة.
ليس الغضب فقط ما أشعل الوجدان العربي والإسلامي
إنّ وجود نيّة وتخطيط وتنفيذ من قبل الشهيد النشمي ماهر الجازي للقيام بعملية فدائية، يشير إلى مستوى الغضب الذي يملأ قلوب العرب والمسلمين نتيجة مشاهد الإبادة الجماعية والتجويع والتعطيش وقتل النساء والأطفال واتخاذ الطفلات دروعاً بشرية ودوس جثث الشهداء بالجرافات والتنكيل بالأسرى وتدمير مربعات سكنيّة بالإضافة إلى إبادة كافة مقوّمات الحياة.
ولكن نجاح العملية بقتل ثلاثة “إسرائيليين” سيساهم في تعزيز الأمل في الوجدان العربي والإسلامي والأممي، فليس الغضب وحده ما يحرّك الشعوب بل الأمل بالنصر، والأمل هو الخطر الاستراتيجي الأعظم الذي يهدد أمن الكيان، وهذا الخطر بدأ يتراكم وينمو في كل شارع و زقاق وبيت وفي كل قلب وعقل، وسيتعاظم ليغدو وحشاً لا يمكن أبداً السيطرة عليه، فالأمل بالنصر يرى أنّ ما كان مستحيلاً غدا الآن ممكناً وقريباً، وأنّ تحرير فلسطين بات وشيكاً.
علي حمدالله – فلسطين