تمرّ منطقة غرب آسيا بمرحلة مفصلية مليئة بالتوترات، وسط تحولات عسكرية وسياسية متسارعة. فبعد سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على غزة ولبنان وسوريا خلال الأشهر الماضية، أقدمت الكيان الصهيوني، بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، على عدوان شامل ضد إيران، البلد الإسلامي الكبير، في 23 من يونيو الجاري.
هذا العدوان، الذي يُعدّ انتهاكًا سافرًا للسيادة الإيرانية، قوبل بوحدة وطنية نادرة بين الشعب الإيراني، وبتماسك واستعداد عسكري كامل من قِبَل القوات المسلحة الإيرانية. وقد أرسلت طهران رسالة واضحة إلى المعتدين: أيدي الجمهورية الإسلامية لن تترك رقاب المعتدين حتى يدفعوا ثمن جرائمهم ويذوقوا الندم الكامل.
ورغم أن ميدان المواجهة يُظهر تفوّقًا واضحًا لإيران، فإن هناك خطرًا استراتيجيًا أكبر يلوح في الأفق، ينبغي لجميع دول المنطقة أن تستوعبه. فكما قالت المستشارة الألمانية سابقًا: “إسرائيل هي اليد القذرة للغرب في هذه المنطقة”.
نحن أمام مشروع جديد من نوع سايكس-بيكو، تسعى من خلاله قوى الاستعمار القديم لإعادة تقسيم منطقتنا كما فعلت قبل قرن. ففي عام 1916، اتفقت بريطانيا وفرنسا، تحت مظلة الحرب العالمية الأولى، على تفكيك الدولة العثمانية وتقسيمها بينهما، وكان من ثمار ذلك زرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة، ليبقى سببًا دائمًا في إشعال الفتن والحروب.
واليوم، تكرّر الولايات المتحدة وحلفاؤها السيناريو نفسه: تمزيق فلسطين، تقسيم غزة والضفة الغربية إلى كانتونات ضعيفة، استمرار الجوع والقتل تحت غطاء الحرب مع إيران، تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ متصارعة، والسعي لتوسيع المشروع ليمس العراق، إيران، باكستان، أفغانستان، تركيا، والمملكة العربية السعودية، الأردن، مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية.
الهدف واضح: منع استقلال القرار في المنطقة، طرد الصين وروسيا منها، وفرض هيمنة إسرائيل باعتبارها “السيد” الجديد للعالم العربي والإسلامي. واليوم، يلعب نتنياهو دور “المجنون المنفّذ” لهذا المشروع الاستعماري الجديد.
من هنا، فإن صمود الشعب الإيراني وقدرته الدفاعية تمثل فرصة استراتيجية لدول المنطقة. فلتتوحد مواقف الأمة الإسلامية، ولتبادر القيادات العربية إلى تحرّك دبلوماسي واسع، يدفع الصين وروسيا إلى مواقف سياسية وعملية واضحة ضد هذا المخطط.
نحن اليوم، شعوب ودول الشرق، في سفينة واحدة، وإذا لم نتكاتف في وجه المشروع الصهيوني – الغربي الجديد، فستبتلعنا الفوضى.
لن نسمح بتكرار مأساة سايكس بيكو.
نريد وحدة إسلامية سياسية وعسكرية، نريد وقفة عزّ بجانب إيران، نريد أن نثبت أننا أمّة حيّة لا تركع للمعتدي.