بقلم: خالد ناصيف – مختص بالادارة والتخطيط الاستراتيجي

يواجه قطاع غزة، هذه البقعة الجغرافية الصغيرة المكتظة بالسكان، واقعًا كارثيًا غير مسبوق نتيجة للحرب المستمرة التي تشنها إسرائيل. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، تحولت غزة إلى ساحة لمعاناة إنسانية لا توصف، حيث تتوالى فصول الدمار والنزوح والمجاعة، في ظل صمت دولي مطبق في كثير من الأحيان.

هذا المقال سيتناول الأبعاد الإنسانية والقانونية لهذه الحرب، مع التركيز على الاتهامات المتزايدة بالإبادة الجماعية، وسيقدم تحليلًا للسيناريوهات المستقبلية المحتملة لهذا الصراع المعقد، مستندًا إلى أحدث التقارير والمعلومات المتاحة.

الواقع الإنساني الكارثي واتهامات الإبادة الجماعية

تُظهر التقارير الواردة من قطاع غزة صورة قاتمة للوضع الإنساني، حيث تتجاوز الأزمة حدود الكارثة لتصل إلى مستويات غير مسبوقة. فالغارات الجوية والقصف المدفعي الإسرائيلي لم يترك حجرًا على حجر، محولًا الأحياء السكنية والمرافق المدنية إلى ركام. وقد أعلنت مصادر طبية في 27 أغسطس 2025 عن استشهاد 51 فلسطينيًا بنيران الاحتلال في يوم واحد، مع وجود نصف مليون شخص يعيشون المجاعة .

تفاقمت الأزمة الإنسانية بشكل كبير بسبب الحصار المفروض على القطاع، والذي أدى إلى نقص حاد في المياه والغذاء والوقود والمساعدات الطبية. وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها بتاريخ 19 ديسمبر 2024، أن السلطات الإسرائيلية تعمدت حرمان المدنيين الفلسطينيين في غزة من المياه الكافية منذ أكتوبر 2023، مما أدى على الأرجح إلى وفاة الآلاف. وتعتبر المنظمة أن هذا الفعل يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية، مشيرة إلى أن السياسة الإسرائيلية خلقت عمدًا ظروفًا معيشية مصممة لإلحاق التدمير المادي بالفلسطينيين في غزة كليًا أو جزئيًا.

وقد أكد بيان صادر عن أعضاء مجلس الأمن الدولي، باستثناء الولايات المتحدة، قلقهم العميق من وجود مجاعة في محافظة غزة، ودعوا إسرائيل إلى التراجع فورًا عن قرارها توسيع عمليتها في غزة، مشددين على ضرورة وقف المجاعة فورًا واحترام القانون الدولي، وأن استخدام التجويع كسلاح حرب محظور بموجب القانون الدولي [1]. كما أشار البيان إلى أن نحو 41 ألف طفل معرضون لخطر الموت جراء سوء التغذية في غزة، ودعوا إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار، وإفراج فوري وغير مشروط عن جميع الرهائن لدى حماس .

إن هذه المعطيات، بالإضافة إلى التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين الإسرائيليين التي تشير إلى رغبتهم في تدمير الفلسطينيين في غزة، تعزز من الاتهامات الموجهة لإسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948.

سيناريوهات المستقبل المحتملة للحرب في غزة

تتعدد السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحرب في قطاع غزة، وتعتمد هذه السيناريوهات بشكل كبير على التطورات الميدانية، والضغوط الدولية، والمواقف السياسية للأطراف المعنية. وقد أشارت وكالة أسوشيتدبرس إلى أربعة سيناريوهات رئيسية لمستقبل غزة .

1. إعادة احتلال غزة بالكامل:

يتضمن هذا السيناريو سيطرة إسرائيلية كاملة على القطاع، وهو ما لم يحدث منذ انسحاب قواتها قبل عامين. هذا الخيار يلقى دعمًا من اليمين المتطرف في إسرائيل، الذي يدعو إلى إعادة ضم غزة وتهجير سكانها وإعادة بناء المستوطنات اليهودية. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو قد يثير غضبًا دوليًا واسعًا ويفرض مزيدًا من العزلة على إسرائيل والولايات المتحدة، كما أن هناك معارضة داخلية في إسرائيل بسبب المخاوف على حياة الرهائن وتحذيرات من الدخول في مستنقع جديد .

2. وقف إطلاق نار يتماشى مع المطالب الدولية:

يقوم هذا السيناريو على أساس إطلاق حركة حماس لجميع الأسرى الباقين لديها، مقابل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين لدى إسرائيل، وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، ووقف كامل لإطلاق النار. هذه المطالب تبنتها إدارة بايدن ومجلس الأمن الدولي. إلا أن إسرائيل تخشى أن يسمح انسحابها من غزة لحماس بإعادة بناء قدراتها العسكرية، كما يخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يؤدي التوصل إلى اتفاق مماثل إلى إسقاط حكومته من قبل حلفائه المتشددين [3].

3. وقف إطلاق النار بشروط تل أبيب:

في هذا السيناريو، تنهي إسرائيل الحرب بمجرد عودة جميع الرهائن وهزيمة حماس أو موافقتها على التخلي عن سلاحها والخروج من القطاع. ولكن حتى في حال حدوث ذلك، تقول إسرائيل إنها ستواصل خططها لإعادة توطين أغلب سكان غزة في دول أخرى، فيما تزعم أنه سيكون “هجرة طواعية”. إلا أن الفلسطينيين وغالبية المجتمع الدولي يرون ذلك تهجيرًا قسريًا ينتهك القانون الدولي .

By adam