ناصر قنديل
السبت 2025/09/06
من المتوقع أن يبذل رئيس الحكومة نواف سلام ومثله فريق من السياسيين والإعلاميين جهوداً مضنية للقول إن ما صدر في بيان الحكومة في جلسة أمس هو امتداد سياسي لقرارات 5 و7 آب الخاصة بورقة توماس برّاك وقرار نزع سلاح المقاومة، وأن بعض التفاصيل المختلفة عن ما صدر في جلستي 5 و7 آب لا يتعدّى كونه تفصيلاً تقنياً يرتبط بكون خطة الجيش ليست عملاً سياسياً بل تقنياً، لكن هذا لن يفيد بشيء؛ فالحقيقة واضحة، ومضمونها أن الحكومة في جلسة أمس تراجعت عن حماقة ارتكبتها في جلستي 5 و7 آب، لأن المسألة كانت تحديداً في نقطة مفصلية موضوعها الجواب عن سؤال: هل مستقبل سلاح المقاومة يمكن أن يتقرّر بمعزل عن مستقبل الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، وبينما تنتمي قرارات جلستي 5 و7 آب إلى منظومة قوامها الفصل بين مصير الاحتلال وسلاح المقاومة تنتمي قرارات جلسة أمس إلى إعادة الربط بين الموضوعين؟
عندما كان يتحدث رئيس الحكومة وكل المجموعة التي تجندت للتصفيق والترويج لقرارات 5 و7 آب، كانت فكرة الفصل بين ما يسمّونه حق الدولة باحتكار السلاح بمعزل عن مسار انسحاب الاحتلال ووقف العدوان، وكان يذهب بعض الغلاة بينهم إلى ترويج السردية الإسرائيلية التي كرّرها عضو الكونغرس الأميركي ليندسي غراهام من بيروت، بقوله لا يمكن للبنان أن يطلب شيئاً من “إسرائيل” قبل نزع سلاح المقاومة، بينما كان مؤيدو المقاومة لا ينكرون الموافقة على اتفاق الطائف والقرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار وصولاً إلى خطاب القسم والبيان الوزاري، وهم يعلمون ما تضمنته جميعها من حديث عن حصر السلاح بيد الدولة ويقبلونه، لكنهم يفعلون ذلك ضمن ربط محكم في كل هذه المرجعيات بين الاحتلال وزواله وتوقف العدوان كشرط لازم لفتح النقاش حول مصير سلاح المقاومة، من ضمن حوار وطني للإجابة عن سؤال السيادة وكيفية حماية لبنان، وليس بخلفية مدرسة الوهم العربي القاتل المسماة نزع ذرائع “إسرائيل” إلى حد الاستسلام.
لعب رئيس مجلس النواب نبيه بري دوراً محورياً في تنظيم التراجع الرسمي عن خطيئة 5 و7 آب، ولعب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون دوراً موازياً، وكانت نقطة التقاطع التي انطلقت منها مساعي الخروج من عنق الزجاجة، أن رئيس الجمهورية قال بأن قبول ورقة توماس برّاك كان مبنياً على التزام برّاك بأن يأتي بموافقة إسرائيلية على ورقته يزامن الموافقة اللبنانية ويترجم بوقف الأعمال العدائيّة بمجرد أن تُقرّ الحكومة الورقة ومعها الجدول الزمنيّ لحصر السلاح، وأن رئيس الجمهورية تحمّل الخلاف الداخلي حول قرارات 5 و7 آب لفترة مؤقتة هي اختبار صدقية ورقة برّاك، وأن حسابه كان إذا استجابت “إسرائيل” أن يجلب بري إلى مساحته والقول ها نحن حصلنا على خطوة إسرائيلية فتعالوا نكمل، أما وقد فشل الرهان على ورقة برّاك فهو مستعدّ أن يذهب الى مساحة بري والقول بما دعاه إليه بري في خطابه، للقول طالما أن “إسرائيل” لم تقبل الورقة ولم توقف الأعمال العدائية وأعلنت استمرار الاعتداءات والاحتلال، فإن لبنان بموجب نصوص الورقة يعتبر أن نفاذها غير قائم طالما أنّه مشروط بموافقة الحكومات المعنية، وأن ما صدر عن “إسرائيل” كافٍ للعودة خطوة إلى الوراء نحو الورقة الرئاسيّة.
على أرضيّة سياسيّة رسمها تقاطع مواقف برّي وعون، جاءت خطة الجيش تربط تنفيذ طلب الحكومة بحصر السلاح، بثلاث مقدّمات تتحمّل الحكومة مسؤوليّة توفيرها، الأولى هي التوافق السياسي، والثانية هي الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية، والثالثة حاجات ماديّة وبشريّة يستحيل من دونها القيام بالمهمة، ولأن توفير هذه المقدّمات لا يمكن ربطه بمهل محدّدة، لأن توفيرها يرتبط بإرادات ثالثة، أهمها الاحتلال نفسه، وبعمل سياسيّ لتحقيق التوافق لا يمكن ربط تحقيقه بزمن، على أن تتولّى الحكومة تقدير المهلة اللازمة لتوفير احتياجات الجيش المادية والبشرية. وفي النقاش الذي أجراه الجيش ورد بُعدٌ أخلاقيّ وطنيّ قوامه استحالة الطلب إلى الضباط والجنود حسم الخلاف مع طرف لبنانيّ له عمق شعبيّ وتاريخ وطنيّ مشرّف في تحرير الأرض، بالقوة المسلّحة مقابل التعامل سلمياً مع الاحتلال واعتداءاته لأن الحكومة قررت اعتماد الحل الدبلوماسيّ، لأن سقف العنف الأعلى يجب أن يكون بوجه العدو الذي يحتلّ الأرض، والتعامل مع أي تحديات أخرى يبقى دون سقف ما يعتمد في التعامل مع العدو المحتل، والقول بأن هذا الخيار تمليه موازين القوى يسيء للدولة بدلاً من أن ينصفها.
عودة الحكومة عن خطيئة جلستي 5 و7 آب والالتزام بمعادلة قوامها استحالة الفصل بين البتّ بمستقبل سلاح المقاومة، ومستقبل الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، تعني إعادة بناء أرضية لتوافق وطني يجب أن يتوّج بحوار حول كيفية فرض تطبيق وقف إطلاق النار وإلزام الاحتلال بالانسحاب ووقف الاعتداءات، لفتح الطريق نحو وضع استراتيجية وطنية للدفاع ذهب البعض إلى حد القول إن زمنها انتهى، بينما يثبت أنها ضرورة، وأنّه لا يجوز التعامل مع خطاب القسم والبيان الوزاري انتقائياً، طالما أن وضع هذه الاستراتيجية هو تعهّد علنيّ للرئيس والحكومة.