السلام بلسان تجّار الدم: حين يحكم العالم أبناء الشر

بقلم:فاتنة علي،لبنان/سوريا الكبرى
إنه مرابٍ لا يرى في العالم سوى ميزانية، ولا يفهم من السياسة إلا ما يفهمه مدير شركة عن الأرباح والخسائر. وصل إلى الحكم وهو مقتنع أن الأرض شركة كبرى، وأن الشعوب أرقام، وأن الدم بند جانبي في تقارير المصالح. يتحدث عن إنهاء الحروب، بينما هو في الحقيقة حَمّال حطبٍ محترف؛ كلما أوشكت نار على الخمود، نفخ فيها حتى تشتعل من جديد. إنه دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، لا أكثر ولا أقل.
في السنوات الأخيرة، لم يتوقف هذا الرجل عن التباهي بأنه “أنهى” أو “ينهي” الحروب، طامعاً – بلا خجل – بجائزة نوبل للسلام. يخرج على العالم بوقاحة غير مسبوقة، متلوناً، كاذباً، مدعياً صناعة السلام، وللأسف يصفق له جمهور واسع من المعتوهين الذين يرون في القوة العمياء حكمة، وفي الظلم سياسة، وفي الكذب شطارة.
لكن أي سلام هذا؟
هل تُنهى الحروب بسرقة الأرض من أصحابها ومنحها لسارق آخر؟
هل يصبح الاحتلال سلاماً حين يُشرعن؟
الجولان السوري، والضفة الغربية، والقدس… شواهد فاضحة على “سلام” يُبنى على محو الحق، لا على تحقيقه.
وهل يُقنعنا أحد بأن الدمار سلام؟
أوكرانيا الممزقة، روسيا المستنزفة، فنزويلا المُحاصرة، الصين المُستفَزّة، ونيجيريا التي تُقصف باسم مكافحة الإرهاب.
كل ذلك يُقدَّم للعالم تحت شعارات جوفاء: الديمقراطية، الحرية، العدالة، حماية الشعوب، حماية الأديان.
كلمات نظيفة تُستخدم لتبرير أفعال قذرة.
الحقيقة أبسط وأكثر فظاعة:
لو كان الهدف هو الإنسان، لانتهت هذه الحروب منذ زمن.
لو كانت القيمة البشرية هي الأساس، لما احتاج العالم إلى كل هذا الدم ليُدار.
لكن كيف يُرجى العدل، وحكام هذا العالم من ذرية الشيطان؟
وكيف يُنتظر الخير، والشرير الأول – العدو الحاسد لآدم – هو المرجعية الخفية لمنظومة كاملة تقوم على الكِبر، والطمع، واحتقار الإنسان؟
هذه ليست لغة مجاز فقط، بل توصيف لمنظومة ترى في الإنسان خطراً إذا كان حراً، وعبئاً إذا كان واعياً.
الصراع القائم ليس صراع نفط وغاز وحدود فحسب.
إنه صراع شامل:
سياسي، ديني، ثقافي، أخلاقي.
صراع على تعريف الحقيقة، وعلى من يملك الحق في تسمية القاتل “مُنقذاً”، والمقاوم “إرهابياً”، والسرقة “اتفاقاً تاريخياً”.
نحن نقترب من الخاتمة المخطط لها، لا صدفةً ولا عبثاً.
خاتمة يدركها كل عاقل:
الخير كله في مواجهة الشر كله.
لا مناطق رمادية هنا، ولا أوهام حياد.
ترامب وأمثاله ليسوا سوى واجهة.
وجوه صاخبة لمنظومة عميقة، متجذرة، تعرف ماذا تفعل جيداً.
ما يحدث في عالمنا ليس سلسلة أخطاء، بل مسار محسوب، ومخاض قاسٍ نحو ولادة جديدة، يدركها المؤمنون، أيّاً كان الدين الذي ينتمون إليه، لأن الإيمان هنا موقف أخلاقي قبل أن يكون هوية.
التاريخ لا يكتبه المنتصرون، هذه كذبة أخرى.
التاريخ يصنعه المؤمنون بالحق،
ويكتبه العدل
بمحبرة من دماء المظلومين
الذين رفضوا أن يكونوا وقوداً دائماً لمواقد الإمبراطوريات.

حين يتحدث تجّار الدم عن السلام، اعلم أن الحرب لم تنتهِ بعد، بل غيّرت لغتها فقط.