معركة الوعي لا تتوقف فقد تحداني أحد الأصدقاء ، الذي لا أشكك إطلاقاً في وطنيته وإخلاصه للقضية ، ان أعرض خطة طريق للخروج من المأزق الذي نعيشه من إزدياد الضغوط داخلياً وخارجياً وتكالب الأمم علينا والأخطار المحدقة التي تواجهها القضية القلسطينية والشعوب الحرة، وبرغم قناعتي أني نجحت في إقناعه بعدم صوابية طريقته في التفكير إلا أنه بملاحظة أن هذا الصديق ليس وحيداً وأن هناك أعدادا ليست بالقليلة فاقدة للأمل وبحاجة إلى من يساهم ويبذل الجهد في الخوض في معركة الوعي التي يتصدى لها كل شريف ، وحيث أن هذا التحدي ما هو إلا إنعكاس للحالة الإنهزامية التي تجتاح الكثيرين من أبناء شعبنا وكذلك كثيراً من الأقطار العربية والإسلامية ، لا بل تزداد بين مثقفين ونخب أكثر مما هي بين العامة من أفراد الشعب وليست محصورة في شخص محدد أو في إنتماء محدد ، فمن المجدي إعادة نشر النقاط التي طرحتها أمام صديقي في هذا المقال؛

النضال من أجل الجقوق ليست حبة أسيرين تؤخذ مرة فينتهي الصداع بل هي عملية مستمرة يقوم بها كل فرد من موقعه إذا لم يستطع العمل بشكل جماعي ينتج تغييراً حقيقياً وسريعاً فلكل فرد من موقعه قدرة مختلفة عن الآخرين ووسائل مختلفة تصب جميعها في بوتقة واحدة، وكل فرد يمكنه القيام بعمل ما أقله إبقاء جذوة التفاؤل موقدة في داخله وداخل من حوله مهما تعرضنا إليه من نكسات، والإيمان بأن القادم أفضل مهما طال الطريق ومهما كان مفروشاً بالأشواك وبالعقبات المختلفة، ويبدأ هذا بالإيمان بحتمية النصر والثقة بالقيادة التي نختارها وبأننا سنقف مجدداً بعد كل نكسة كالجبال الشاهقة التي لا يهزها ريح أو عواصف ، وأشير إلى إحدى المقولات الشهيرة للمناضل الخالد تشي غيقارا بأن المناضل ، كل بحسب موقعه وبما يستطيع من وسائل ، يجب أن يبقى متفائلاً وأن لا يدع اليأس يتسلل إلى وجدانه.

الإشارة بأن تجارب الأمة السابقة من مقارعة الأعداء والمستعمرين من روم وفرس وصليبيين ومغول والدول الأوروبية ، والإنتصار عليهم ، لا تنطبق على وضعنا الحالي الذي يتميز بكثرة أعداء الداخل وأعداء الخارج وتكالبهم مجتمعين على الإطاحة بجهود التحرر والوقوف ضدنا هي إشارة خاطئة تماماً عندما نتذكر أن الكثير من الممالك والإمارات الإسلامية ، وكذلك أصحاب المصالح من الشعب ، كانت متآلفة ومتحالفة مع الصليبيين ومع المغول ومع الدول الإستعمارية ولكنها مع ذلك لم تمنع إرادة الشعب الحرة من التخلص من كل من قوى الطغيان في زمانها ، فعلى سبيل المثال تحالفت سلاجقة الروم المسلمين مع المغول ضد بقية المسلمين ولم يمنع ذلك طرد المغول من بلادنا وعودتهم إلى بلادهم مهزومين ، وتحالفت العديد من الممالك الصغيرة مع الصليبيين ولم يوقف ذلك طرد الصليبيين من بلادنا وعودتهم إلى بلادهم خائبي الأمل ، وحاول العباسيين التحالف مع شارليمان ملك فرنسا ضد الدولة الأموية في الأندلس ولم يؤثر ذلك على البناء الثقافي والحضاري لعدة مئات من السنين ، إلى أن إستسلمت الأندلس لجيوش فرديناند وإيزابيلا وضاع الأندلس لإهمال الأندلس الدولة بنائها الداخلي ولأنها بكل بساطة لم تستعد لمقاومة العدو ، بالإضافة إلى أمثلة كثيرة من شعوب العالم قاطبة ، وعلى سبيل المثال فقد هزم المسلمون في معركة أحد ومعركة الأحزاب ولم يقف ذلك أمام لإنتصار الإسلام وسيادته مع عدم التشبه بالرسالة الإلهية ولكن مبدأ الثبات والمثابرة والعمل هو نفسه لم يتغير.

هذا يثبت أن التحديات التي نواجهها اليوم موجودة عبر التاريخ وليست وليدة اللحظة ، كما هو تأصل حتمية النصر وخضوع المستكبرين لإرادة الشعوب حتى لو تحالفت الممالك التي صنعها المستعمر ضد إرادة شعوبها في نضالها لنصرة القضية المركزية في فلسطين طالما وجد الفعل المقاوم بالوسائل الممكنة لكل فرد.

كل فرد فينا قادر على إحداث تغييراً إيجابياً إذا توفرت لديه القدرة والإرادة سواء من خلال ما ينتجه من فعل مقاوم ، أو سلبياً من خلال عدم قيامه بأي عمل وإنعدام الفعل المقاوم وترك الباطل يستشري ، وبالنظر إلى أعظم مئة من الشخصيات التي غيرت وجه التاريخ بإعتراف علماء الإجتماع يقف في مقدمتهم الرسول محمد (ص) الذي بدأ الدعوة بإيمان زوجته وصديقه وخادمه لتجتاح دعوته العالم بأجمعه بعد ذلك ، والمسيح عليه السلام الذي بدأ وجيداً وإنضم إليه أحدعشر حوارياً لتعم دعوته أصقاع الأرض بعدها، وكذلك كارل ماركس الذي آمن بنظريته الملايين بعد وفاته ، وما يجمع هذه القامات القناعة بالهدف المتمثل بأن العدالة الإجتماعية لن تتحقق بسيطرة المستكبرين ، هدف لم يكن أي منهم يحلم أن يصل إليه بين ليلة وضحاها بل بنضال طويل ومستمر.

لم يدع أحد أن طريقنا مفروش بالورود فلم يحدث في التاريخ أن إجتمعت مسببات الصراعات في صراع واحد كما يحدث في فلسطين التي يجتمع فيها الصراع القومي والصراع الديني والصراع الطبقي (بمعنى المستضعفين ضد المستكبرين الممثلين في الرأسمالية المتوحشة) والمطلوب من كل فرد أن يحافظ على الإيمان بعدالة هذا الصراع والتصدي لمحاولات القوى الإستعمارية وحلفائها التي تهدف لكسر إرادة الشعوب ، وذلك من خلال إتحاد عمل وفكر الأفراد الذي يؤدي إلى نتيجة واحدة مطلقة وهي النصر على قوى الظلام مجتمعة مهما كان لدى هذه القوى من جبروت ، فإذا كان بإمكان شخص واحد تغيير المعادلات فكيف بإتحاد الإرادات؟

ما يحزنني أن الثقافة السائدة في شعوبنا ، وفي الشعوب العربية والإسلامية على حد سواء ، هي ثقافة التمرد على الطغيان فلماذا يظهر هذا التمرد جلياً في علاقات هذه الشعوب ببعضها البعض ولا يظهر ضد أعداء الأمة من قوى الإستكبار؟ مثال على ذلك تناحر القوى السياسية في كل من العراق ولبنان ووصف من يقاوم بالإرتهان للخارج وأنهم أذررع للدول الأخرى ؛ هل هو التدجين ونجاح المستعمر في فرض إرادته وخلق الشعور بالهزيمة؟ هل هو نجاح الطبقة السائدة بفرض قيمها؟ أم غير ذلك من أسباب؟ تقول الفلسفة الماركسية أن الفكر السائد عادة هو فكر الطبقة المهيمنة إقتصادياً والتي نجحت حالياً ومؤقتاً في تحويل القيم النبيلة إلى قيم المصلحة وعدد الدولارات التي يحتفظ بها الفرد وما تجلب من فوائد ومنافع شخصية مبتعدين عن هموم الأمة وطموحاتها ورغباتها ، لا سيما لدى النظر إلى التكوين الطبقي للمجتمع حالياً ؛

1. طبقة إقتصادية مترفة ، وإن كانت محدودة العدد ، لا ترى سوى المادة ديناً ومذهباً حتى لوكانت مغموسة بدماء جميع من حولها ودماء شعبها ، ولا نحتاج هذه الطبقة حالياً.

2. طبقة مكتفية معيشياً وتائهة بين الحفاظ على ما تراه من كرامة والتطلع إلى الإلتحاق بالطبقة المترفة ، وبين الوطن والمحافظة عليه ، وتخشى القيام بأي عمل يؤثر على مستواها المعيشي، وهذه هي فعلياً الطبقة التي تطرح هذا التساؤل وتجاهر بإنهزاميتها وتحتاج إلى العمل معها.

3. طبقة فقيرة ، وهم حطب التغيير وحطب الثورات، لديها قناعة تامة بخيارها في المقاومة ولكنها دون قيادة مع الأسف في الوقت الراهن على الأقل ، ونستثني من ذلك جماهير حزب الله في لبنان وجماهير أنصار الله في اليمن ، ويلزمها قيادة تشعل النهوض الجماهيري وتجمع أطياف الشعب في هدف مشترك .

كما قال المثل الصيني فإن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة ويمكن لكل فرد تلبية الدعوة التي تم توجهيها عبر منصات سيف القدس وإطلالات الأستاذ ناصر قنديل للإضراب عن الطعام يومي 16 ويوم 23 من الشهر القادم ، هذه الخطوة التي وإن بدت صغيرة إلا أنها ستكون تذكيراً لشعوب العالم بأن التضامن مع المناضلين والمجوعين يكون بداية بأبسط السبل وبحيث لا تترك لأي كان مجالاً للتساؤل؛ ماذا أستطيع أن أفعل؟ أو؛ لا يوجد ما يمكنني فعله أمام قوى الإستكبار، فشعارنا الآن : نعم نستطيع

زياد زكريا عضو أمانة منتدى سيف القدس

By adam