إن البشارة التي تلقيناها اليوم بخبر ارتقاء قادة كانوا من أبرز أيقونات المقاومة الفلسطينية، وتربّعوا في وجدان العرب والمسلمين بل غدا أحدهم من أهم رموز حركات التحرر الوطني في القرن الحادي والعشرين، تحمل دلالات تتجاوز الحدث في ذاته فهي تشير بوضوح إلى أن كتائب القسام قد أنجزت ترتيباتها الهيكلية واستوعبت طبيعة الاستهداف الصهيوني ونجحت في إعادة ملء الشواغر القيادية دون أن يصيب بنيتها خلل أو فراغ وأن الميدان يعلن جهوزيته الكاملة كما هو الحال في القيادة السياسية في تكامل واضح بين القرار والفعل.

كما تؤكد هذه البشارة حقيقة راسخة مفادها أن استهداف الشخصيات مهما بلغت مكانتها ورمزيتها لا يلغي الفكرة ولا يطفئ جذوة المشروع المقاوم فالمقاومة لا تختزل في أسماء، بل تتجدد عبر أدوار ووظائف ومسارات تتوارثها الأجيال وفي هذا السياق فإن أبو عبيدة الجديد قد بدأ بالفعل صفحة جديدة في سجل النضال مستكملا الدور ومجددا الخطاب، ومراكما على ما سبق دون انقطاع.

وعليه فإن أي معادلة يحاول العدو وحلفاؤه فرضها سواء بالقوة العسكرية أو بالضغط السياسي أو بالحرب النفسية هي معادلة محكومة بالفشل لأنها تصطدم بإرادة شعب حر لا يقبل الإخضاع ولا يساوم على حقه في المقاومة والتحرر .
كما أن اختيار توقيت الإعلان لم يكن عابرًا إذ جاء قبيل اجتماع ترامب بنتنياهو وهو توقيت ذو دلالة سياسية قوية ومؤشر بالغ الأهمية خاصة في ظل السياق الإقليمي والدولي الضاغط فهذا التزامن يشي برسالة محسوبة تتجاوز الداخل الفلسطيني، وتخاطب غرف القرار مباشرة مفادها أن المقاومة حاضرة في معادلة اللحظة، وتقرأ المشهد السياسي بدقة ولا تنفصل عن مساراته.

وتتعزز هذه الدلالة أكثر من خلال المفردات التي استخدمها الملثم الجديد، لا سيما في ما يتعلق بالسلاح وشرعيته الحصرية في اليد الفلسطينية حيث لم يكن الخطاب توصيفيًا أو عاطفيًا بل تأسيسيًا وحاسمًا يعيد تثبيت السلاح بوصفه أداة تحرر وحقًا سياديًا غير قابل للنزع أو المساومة وهو بذلك يوجّه رسالة واضحة بأن أي ترتيبات سياسية أو أمنية تحاول القفز على هذه الحقيقة مصيرها الفشل لأن السلاح هنا ليس تفصيلًا تفاوضيًا بل جوهر المشروع الوطني ذاته.
الدكتور رامي الشقرة رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية