– قد يشعر الذين يعتقدون بعصر أميركي لا نهاية له، ربما لأنهم يتمنون ذلك بعدما ربطوا مصائرهم بهذا الوهم، أن الحديث عن تغيير القواعد التي كانت حتى زمن قريب تحكم العالم، هو مجرد خيال أو رغبات، لكن ماذا عن مسارعة أميركا إلى الخروج من حرب أوكرانيا التي باتت محسومة لصالح روسيا، بعدما أنفقت عليها أميركا قرابة تريليون دولار، وأنفقت أوروبا مثله، وفشل كل ذلك بخلق توازن مع روسيا عسكرياً، بينما فشلت العقوبات في دفع النظام الاقتصادي والمالي في روسيا للانهيار التي نجحت بتحويل هذا التحدّي إلى فرصة، وصارت روسيا بفضل كل ذلك، التراجع الأميركي والتعافي المالي والاقتصادي وربح الحرب، على عتبة التحكم بمستقبل أوروبا، وماذا عن الأرقام الاقتصادية التي تقول إن مساهمة الصين في الصناعة العالميّة هي ضعف المساهمة الأميركيّة التي كانت مع نهاية الحرب الباردة خمسة أضعاف مساهمة الصين، وماذا عن تحوّل الصين إلى شريك تجاري أول لكل دول العالم الـ 170 بما فيها أميركا، بينما تراجع أميركا لتصبح شريكاً تجارياً أولَ لسبعين دولة فقط؟ وماذا عن الحرب الأميركية الإسرائيلية على إيران، والفشل في الحصول على توقيع إيران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم، والفشل في إسقاط النظام، والفشل في إضعاف قدرات إيران الصاروخية التي فرضت طلباً إسرائيلياً لوقف النار حملته أميركا بواسطة قطر إلى إيران؟

– يكفي تعليق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قمة شنغهاي ومشهد الصورة الثلاثيّة التي جمعت زعماء الصين وروسيا وكوريا الشمالية، شي جين بينغ وفلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، وكلامه الغاضب الموجّه للرئيس الصيني، بينما تتآمرون على أميركا، للتساؤل هل هذه هي أميركا التي تحكم العالم وتديره؟ ويكفي أيضاً أن ننظر إلى درجة تماسك حلف شنغهاي وتغلّب أطرافه على خلافات عميقة، كما بين الهند والصين وباكستان والهند، مقابل تفسّخ حلف السبعة من حول أميركا حيث أوروبا تشعر بالتهميش وكندا بالاستهداف، واليابان بالعزلة، ويكفي أيضاً أن نعلم أن مساحة دول شنغهاي هي مرّة ونصف مساحة دول السبعة، 36 مليون كم مقابل 21، وأن عدد سكان شنغهاي خمس مرات عدد سكان السبعة، 3,5 مليار نسمة مقابل 770 مليوناً، وأن شنغهاي في حال اكتفاء غذائيّ بخلاف السبعة، وأنّها تملك أكبر احتياطات عالمية في النفط والغاز والمعادن الثمينة والمعادن النادرة بخلاف السبعة، وأنها تملك تواصلاً جغرافياً بخلاف السبعة، وجيوشاً مقاتلة مستعدّة لتحمل بذل الدماء بخلاف السبعة، وبالمقابل تعالوا نقول بتوازن عسكريّ وتكنولوجيّ بين شنغهاي والسبعة، رغم وقائع تعمل لصالح تفوّق راهن محتمل ومستقبلي أكيد لصالح شنغهاي، بينما أميركا التي تريد استعادة عظمتها ولو أدى ذلك للتضحية بمكانتها لم تعد تملك إلا سطوة عملتها التي تؤدي العقوبات إلى المزيد من الهروب منها إلى بدائل أخرى، وسطوة إعلامها الذي سقط أمام شعوبه في لعنة فلسطين.

– مذبحة غزة والتوحش الإسرائيلي الإجرامي بدعم أميركي وتلعثم غربي فرضته حركة شعوب الغرب لصالح فلسطين، ليس إلا تعبيراً عن الشعور بالمأزق، وعدم القدرة على تحمل خسارة بحجم هزيمة “إسرائيل”، رغم المعرفة المسبقة بأن المعركة تحمل في بعض جوانبها طابعاً انتحارياً، حيث الجرائم لا تغير في إرادة المقاومة وعزمها ولا تدفع للاستسلام، لكنها تزيد من عزلة “إسرائيل”، كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه وعن الداخل الأميركي بالذات، والحزب الجمهوري خصوصاً، أما في الميدان فإن زمام المبادرة الفعلي يبدو بيد المقاومة، حيث الروح القتالية أعلى بما لا يُقاس بالمقارنة مع حال إحباط يعيشها جيش الاحتلال، وتآكل ينخر صفوفه، ومقابل تكتيكات مبتكرة للمقاومة وتشكيلات تظهر فعالية القيادة، حالة من الفوضى تسود تشكيلات جيش الاحتلال يفقد خلالها الجنود أثناء المعارك لأنّهم هربوا من المواجهة أو اختبأوا، فيما يتكفل اليمن بصواريخه بإخراج مئات آلاف من المتظاهرين داخل الكيان وأعدادهم تزداد مرة عن مرة.

– الحركة الصينية العلنية نحو القيادة واضحة هذه المرّة؛ إنّها تعبير عن تقدير اللحظة العالمية الجديدة وترنّح المشروع الأميركي رغم مقاومته الشرسة، ومكانة كوريا الشمالية واضحة في خريطة المواجهة، كما مكانة إيران، والبيان الختاميّ يضيف مكانة خاصة لفلسطين، والاستعجال الأميركيّ لنصر إسرائيلي سريع في غزة، أو لخدعة كبرى أو فتنة كبرى في لبنان، أو لصفقة كبرى في سورية، تعبير عن الشعور بأن ثلج الوقت يذوب بين أيديهم والرمل يتسرّب بين أصابعهم.

By adam