حوار||كميل أبو حنيش : هذا المنفى القسري يجب أن نحوّله، إلى ساحة جديدة للاشتباك
حاورته: شذى عبد العال
هي الحريّة التي كان ثَمنها اثنين وعشرين عاماً من النّضال، والصّمود، والثقافة المشتبِكة، الحريّة التي لم تتخلى عنها المقاومة في كل الميادين، هذه الصفقة التي تمسكت بها المقاومة حتى اللحظة الأخيرة ليتحرر آلاف من الأسرى من سجون الاحتلال الوحشية ومئات الأسرى المحكومين بالمؤبدات لتؤكد أن لا مؤبد لهذا المحتل مدى الحياة.
من بينهم الأسير المحرر اليوم، القائد والمثقف المشتبك، كميل أبو حنيش، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحد رموز أدب السجون، أبرز منظّري التجربة التنظيمية داخل المعتقلات، من التسعة مؤبدات الى الحرية، كان مثل النمل في البيت على قوله: النمل يقاوم المحتلين لأنه ببساطة تذوق قمح البلاد فعرف كيف يقاوم!
وليتحدث لنا أكثر عن تجربته الثقافية والتنظيمية داخل السجون وعن معنى الحريّة والسّجن، أجرت بوابة الهدف الإخبارية مع الأديب والمُفكر كميل أبو حنيش، هذا الحوار.
عندما نتحدث عن ٩ مؤبدات، كيف يؤثر هذا الرقم على حياتك داخل الأسر؟
هذا الرقم الهائل في عمر الزمن كان الهدف منه أن يستبطن الأسير منه الألم والحرمان والتنكيل والقهر ولكن بوسع الأسير الفلسطيني أن يتحدّى هذا القهر عبر الثقافة والأدب وتعزيز الصمود والتماسك وعدم الاستسلام بقدر الأسر، رغم أن الكثير من الأسرى وقعوا في هذا الفخ الزمني، ولكن الأسير المثقف والمشتبك الذي يعتبر السّجن محطة جديدة للاشتباك فإنه يعمل على الالتفاف والتحايل على هذا الزمن وكسر إرادة السّجان من خلال الصمود وتعزيز ثقافة الانسان الثوري.
هل سيكون هناك تأثير على الانتاج الأدبي داخل السجون بين الماضي والحاضر بعد طوفان الاقصى؟
بالطبع كانت معركة طوفان الأقصى من المحطات الهامة في تاريخ شعبنا ومعركته التحررية الطويلة ولطالما كان الأدب الفلسطيني المقاوم يتصدى لمهماته التحررية ويكون في كل محطة من محطات الثورة له أدواته وقدرته على المجابهة ويستمد قوته من هذا الواقع لهذا السبب بوسعنا القول أن ما قبل ٧ اكتوبر وما بعدها والأدب ستظل مهمته منحصرة في تطوير أدوات المقاومة الثقافية.
لهذا السبب نحن الآن ونحن نجري هذا الحوار نتعرض لإبادة كبيرة على مرآى ومسمع من العالم يجب علينا أن نطوّر من أدواتنا وقدراتنا وتأثيراتنا الثقافية على كافة الأصعدة ويجب أن يكون الأدب يمتشق سلاحه بمهارة ويستعد للمنازلة القادمة، لأن القضية الفلسطينية بعد السابع من اكتوبر دخلت مرحلة جديدة عنوانها الابادة، الطمس، الاقتلاع، ورغم أن الأدب الفلسطيني كان منذ تاريخ الاحتلال الصهيوني تصدى لمهماته ولكن في هذه المرحلة نحن في عصر ثورات المعلومات والاتصالات الإعلام الرقمي يجب أن نستغل هذه الأدوات لتوسيع حضورنا على الساحتين العربية والدّولية إضافة نحن بحاجة لتعزيز هويتنا الوطنية وسيساهم الأدب الفلسطيني في تطوير الاشتباك الذي عنوانه التمسك للهوية الوطنية التي تتعرض للاقتلاع والتنكيل ومحاولة الطمس من الوجود.
التعذيب والتنكيل والابادة داخل السجون كما غزة والعقاب الجماعي كيف يتفشش الاحتلال بالأسرى؟
كان الهدف من المؤسسة الاعتقالية التي صمّمها المستعمر الصهيوني، ترويض الانسان الفلسطيني ولا ننسى أن أجيال مختلفة دخلت السجون الصهيونية ولهذا تعوّدنا نحن الفلسطينيين أن يكون السجن جزء من حياتنا، والاحتلال في كل محطة كان يمارس كل وسائل القمع والتعذيب ضد الفلسطيني ولكن هذه المرة ربما لم يسبق أن تعرضت السجون لمثل هذا القمع وهذا التنكيل وهذا المشهد المرعب الذي وصفه الكثير من الأسرى القدامى الذين كانوا في مرحلة الستينيات والسبعينيات، والثمانيات، قالوا لم نشهد من هذه الروح البهيمية المنفلتة من عقالها التي تعززت مع حضور الوزير الفاشي “ايتمار بن غفير” وترؤسه لوزارة الأمن الداخلي وتحريضه بشكل مستمر واغرائه السجانين من خلال رفع رواتبهم وتحريضهم على الأسرى بقول : يجب عليكم أن تضربوا لتقتلوا، هؤلاء إرهابيون، هؤلاء قتلة.
لهذا السبب تعرضنا طوال السنتين الماضيتين لسلسلة طويلة من الاجراءات العقابية التي كانت تمس انسانيتنا، وصلت لحد تجويعنا واذلالنا وضربنا والتنكيل المستمر بنا ليل ونهار ولكن الأسير الفلسطيني استطاع أن يصمد ويقاوم التجويع من خلال الابقاء والحفاظ على القيم الاعتقالية والثورية في ظل هذه المرحلة الصعبة .
واليوم تحررنا وتحرر الكثير من الاسرى وبقية الالاف ولكننا واثقون جداً أن اخواننا اللذين تركناهم خلفنا يواصلون الصمود واستغلال كل ما من شأنه أن يعزز مقاومتهم.
كان اسمك ضمن صفقة وفاء الأحرار ٢٠١١ ورفض الاحتلال، كيف هي لحظة شعورك حينها وكيف أثر هذا على كميل؟
صفقة وفاء الاحرار كان عدد الأسرى القدامى كبير جداً، ونحن كنا في حينها أسرى جدد ولدينا سنوات قليلة ومقابل من أمضى عشرات السنوات، أنا شخصياً لم أكن أتوقع أن يُطلق سراحي وكنت أقول دائماً أن الأولوية يجب أن تكون للأسرى القدامى ومع ذلك كنا نتأمل أن يجري الإفراج عنّي ولكن انتهاء الصفقة بقينا نتسلح بالأمل ونعزّز الصمود وأوفياء للقيم التي تربينا عليها وواصلنا رحلة المقاومة الثقافية والجلسات خلال التعليم الاكاديمي.
وتطويره والانتاج الأدبي والثقافي وحولنا السجون إلى جامعات ومعاهد بالفعل في السنوات الاخيرة، لدرجة غالبية الاسرى نالوا الشهادات الأكاديمية المختلفة وقسم منهم تحوّل إلى رمز ثقافي وأدبي وأصبحوا معروفين في خارج قلاع الأسر.
عن أحمد سعدات ومروان البرغوثي كان هناك رفض لأسماؤهم ضمن الصفقة ومازالت المقاومة تضغط ليكونوا بين المحررين، ماذا تخبرنا عن ما يتعرضوا له الان داخل السجون؟
تمارس مصلحة السجون القمع أفظع وأقسى الوسائل لعدد من الرموز من بينهم الرفيق أحمد سعدات والاخ مروان البرغوثي والاخ حسن سلامة وابراهيم حامد، وغيرهم عشرات من الاسرى المعزولين حالياً، ولكن هؤلاء العمالقة اللذين يعرفون أن واجبهم الوطني لا يسمحوا للاحتلال أن يكسر معنوياتهم هم يدركون أنهم قد يتعرضون لكل الوسائل القاسية من التعذيب في أي لحظة، ووصلت صلب السجان وحقارته أن يعتدي بالضرب على عدد منهم دون مراعاة لأعمارهم ومكانتهم السياسية والاجتماعية كلهم كانوا خاضعين للوقاحة التي كان عنوانها “ايتمار بن غفير” اللذي كان يدعوهم إلى قتل الأسرى ولكن قدر الانسان الفلسطيني أن يصمد وهؤلاء وهم قادة ورموز شعبنا ويجب أن يكونوا في المقدمة وسيتجاوزون هذه المرحلة من خلال التماسك وستعود ساحات السجون معاقل وقلاعلحماية التاريخ الوطني الفلسطيني.
بالعودة الى الأدب والرواية لديك رواية الجهة السابعة تحكي عن الحياة والحرية والموت والوجود ما هي الجهة السابعة التي قد يراها الأسير في زنازين العزل؟
الجهة السابعة فكرتها انسانية وفلسفية ووجودية الانسان الذي يعيش في الحاضر بينما الأسير الفلسطيني المحروم من الحياة الطبيعية كان يعيش في الماضي يتغذى على الذكريات ويتسلح بثلاث مكونات بالحب، بالحلم، ويقاوم هاجس الموت، حتى يستطيع بوسعه أن ينتصر على السجن، أن يكون بوسعه أن يرمم ذاته وهكذا كانت فكرة الجهة السابعة التي استلهمتها من شعر لأحمد شوقي: ولو أنّ الجهات خُلقن سبعاً لكان الموت سابعة الجهات.
وكنت أرى ليس فقط الموت عبارة عن جهة سابعة ثمة أفكار أخرى على سبيل المثال الحب يكون الانسان جهة سابعة والحلم مثلاً، ويجب أن نتسلح بالحب والحلم لننتصر على الموت والقيد.
من موقعك القيادي والثقافي والحزبي هل يمكن أن تحدثنا عن تجربة العمل الاعتقالي والتنظيمي وقيادتك للعديد من المواقع والمنظمات الحزبية، كيف تُقيّم لنا تجربة منظمة فرع السجون، وواقع الحركة الوطنية الأسيرة؟
الأسر له تجربة مميزة على الأصعدة التنظيمية والأكاديمية والثقافية والانسانية والاجتماعية، ومن يعيشها يدرك أن لا مجال للاسترخاء والكسل يجب أن نكون مثل خلية النحل وإلّا تكلست أرواحنا، لهذا السبب كنا منهمكين ومنغمسين منها، من رؤوسنا حتى أخمص اقدامنا في حياة وأنشطة السجن، التنظيم بالنسبة لنا أهم القلاع، لأن السّجان يريدنا غير منظّمين، يريدنا أن نكون ذاتيين أن نتحول إلى حيوانات وبهائم نتنظر الطعام، والاستهلاك ولكن التنظيم حولنا إلى كيان متماسك كانت المنظمات الأسيرة على مدار أكثر من ستين عامًا قلاع لحماية الهوية الفلسطينية وتثقيف الشعب الفلسطيني، وكذلك الأمر الثقافة كان لدينا الجلسات الثقافية والتعليم والدورات كانت هناك قيم ثقافية في الأسر ليست موجودة في مكان آخر التعاون والتضامن والأخلاق العالية والتمسك في القيم الانسانية واستطعنا في السنوات الاخير أن نطور من الانشطة الاكاديمية التي خرّجت العشرات والمئات من الأسرى.
أما منظمة فرع السجون التي بدأنا بانشائها منذ العام ٢٠٠٧ وتعرضنا لقمع وتنكيل واضطهاد وعزل الأمين العام أحمد سعدات وعدد من الأسرى الرفاق وقاومنا من خلال الاضراب عن الطعام والتمرد على هذه الاجراءات وفي الحقيقة رغم ذلك نعترف أن هناك ترهّل في جسم الحركة الأسيرة وهو ما يفسر حالة الهشاشة والضعف التي لم يكن بوسع الحركة الاسيرة التصدي لاجراءات السجان في مرحلة ما بعد ٧ اكتوبر
نحن أخطأنا في هذه المرحلة لأننا لم نمتّن منظماتنا واستسلمنا بشكل كامل باعتبار أننا سنتحرر جميعنا ولو قاومنا منذ البداية لاجراءات السجان لما وصلت الحالة إلى هذا الانهاك وبالطبع بعد هذه الصفقة سيقوم اخواننا إلى منظمات الأسر لتمارس دورها للتصدي لمهامها الوطنية والاجتماعية والثقافية والانسانية والأخلاقية.
أخيراً، اليوم كيف هي الحرية ولكن خارج الوطن وكيف تتخيل اليوم نابلس بعد 22 عاماً؟
نحن الآن في مرحلة جديدة عنوانها المنفى، صحيح أن الحرية أفضل من البقاء في السجن وصحيح أن المنفى بمعنى من المعاني هو أفضل من البقاء بين القيود والأغلال والأبواب الموصدة ولكن تبقى ساحة منفى بعيدة عن الوطن، ولكن نحن نشتاق للعودة إلى أحضان أمهاتنا وقرانا ومددنا وأحياءنا ومخيماتنا، كنت أتمنى أن أعود إلى بيت دجن، إلى نابلس، ولكن ماذا نفعل!، يجب أن نتحمل ساحة المنفى حالياً، هذا المنفى القسري يجب أن نحوّله، إلى ساحة جديدة للاشتباك والانضمام إلى اخواننا اللذين سبقونا في هذا الدرب ونحن بعد ما نستقر سنبدأ بمشاوراتنا وأنشطتنا المختلفة في ما نستطيع من خلال أن نحوّل هذه الساحة إلى ساحة نضال جديدة.
بوابة الهدف الإخبارية