نهج المفاوضات لتثبيت أمرٍ واقع جديد هو نهج الصهيونية منذ بدايتها والتي تعتمد بشكل أساسي على أن تكون يدها هي العليا في قضية الردع وموازين القوى، فإذا عدنا للمسار الزمني وقرأنا مسار المفاوضات تاريخياً، مثلاً “اتفاقية أوسلو المشؤومة” التي أنتجت تحكماً إسرائيلياً شبه مطلق بالضفة الغربية، وأنتج سلطة ما هي إلا أداة لتنفيذ أوامر الكيان وإحكام سيطرته لوأد المقاومة في الضفة واحتلالها تدريجياً بشكل كامل، ، و ذلك حسب ما أعلن عنه الكنيست في فبراير ٢٠١٧ بإقرار قانون سلب الأراضي الفلسطينية وضمّها إلى الكيان المؤقت، وشاهدنا تداعيات ذلك في تطورات الأحداث في الضفة الغربية ما قبل الطوفان وخلاله حتى يومنا هذا.
وهكذا هي الصهيونية ما قبل اتفاقية أوسلو وما بعدها، وهذا النهج لا يقتصر على “إسرائيل” فقط بل هنالك  “كبيرهم الذي علمهم السحر” أميركا.
إن اتباع نهج المفاوضات والكذب والخداع والغدر والقتل لتثبيت أمر واقع ، سواء كان هذا الأمر استيطانياً  كما حدث من توسع في أراضي مستوطنات الضفة الغربية وهدم المنشآت السكنية والزراعية، أو عسكرياً من تعزيزٍ للقدرات العسكرية لضمان السيطرة في الإقليم بشكل عام وفي أراضي بلاد المحور بشكل خاص، لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت يدهم هي العليا.
وكعادتهم يحشدون الأساطيل للترهيب والتخويف بعرضٍ هوليوودي(كان) يبهر الناظرين سابقاً، لكنَّ هذه العروض ولَّت أيامها ، فالمقاومة حاضرة وتتجهز دفاعياً وهجومياً لحربٍ طاحنة على موازين القوى وقوة الردع، فلمن ستكون اليد العليا ؟
في الموقف اليوم استخدمت أميركا هذه الحيلة مجدداً بنفس السيناريو الذي اعتدنا عليه  منذ عشرة أشهر، والغريب أنهم لم يستطيعوا الخروج  بأفكار جديدة وخطط إبداعية في إبداءِ طرحٍ خارج هذا الصندوق، والمؤسف أن قطر و مصر قفزتا للتصريح والقول إنّ هذه هي فرصة المنطقة للوصول لاتفاق ومنع تدحرج الأمور نحو  الأسوأ ، ولم تستطع إحدى هذه الدول العربية المعروفة “بالوسطاء” أن يوجهوا رسائلَ بهذه القوة إلى الكيان المؤقت أو أمِّه المتغطرسة أميركا، وإذا أردنا أن ننظر إلى الموقف من الخارج سنرى أن لا سبيل للاتفاق ولا منطقة وسطى يلتقي بها الطرفان، و يعدُّ تعيين يحيى السنوار رئيساً لحركة حماس ضربة قويةً على رأس هذه الخديعة الأفعى الأميركية ، فقد بات الذي  يقود معركة غزة العسكرية في الأنفاق ،  يقود مفاوضاتها، إذن لن نرى تراجعاً للمقاومة عن مطالبها ، و قد تبين ذلك في تغيُّب وفد حماس عن  جلسة يوم  الخميس، وإن ما تمت الموافقة عليه في “٦ ايار” من شروط أو ما تم إقراه في مجلس الأمن في “٢ تموز” هي الأطر التي تحتاج فقط لإحضار ” النتن ياهو ” للتوقيع و وضع آلية للتنفيذ.
يعني الموضع سهل “لا مفاوضات للمفاوضات فقط، ولا مفاوضات مع جبهات الإسناد عن غزة”
ولذلك فإن انتظار المحور للرد الحتمي الآتي كان من الدوافع الإنسانية والأخلاقية والدينية ، و هي  قضية المحور الجوهرية وقف الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة، و إذا تمت الموافقة على شروط المقاومة فسوف تتوقف الحرب ، و سيكون هذا نصراً على الغطرسة وآلة القتل الإسرائيلية ولو كان محصوراً فقط في قطاع غزة ، لأن الحرب بين المحور والصهيونية كانت قبل الطوفان وتعززت خلاله وستستمر بعده وسينتصر المحور في قادم الأيام بقوة الله وبأس رجال الله  وعبقرية قادة هذا المحور .
لكن هل سيكتفي  الكيان المتغطرس بالضربات على العواصم العربية والإسلامية والاغتيالات لقادة ورموز المقاومة ثم يعلن إنهاء الحرب؟!
قطعاً لا، لأن الإسرائيلي عندما كان وضعه مهترئ في أيار وقبلت المقاومة شروط التفاوض  ،لم يقبل!!! ، وأكمل حربه ولم يبدِ  أية مبادرات لتخفيف القتل المرعب في غزة والتي أصبح أهلها يكيلون أشلاء أبنائهم بالميزان.
والآن مع هذه الأساطيل البحرية المحشودة لحمايته ومشهد النصر الزائف الذي أتى به من ضرب العواصم والاغتيالات، هل سيقبل نتنياهو بالخضوع ليحيى السنوار والتوقيع على شروطه؟!
إن المسار الزمني أجابنا بأن لا أفقَ لهذه المفاوضات، ولا وجود لبوادر اتفاق مع هذا “النتن” .
لذلك نستخلص أن الرد قادم و أن لا منطقة وسطى بين الطرفين للوصول لاتفاق، والرد بعد فرصة المفاوضات سيكون ثقيلاً ،  وذلك ما حمله الفيديو الذي نشره حزب الله  “في خضم جلسة المفاوضات الزائفة “من عرض لجزءٍ من الأنفاق والذي يحمل اسم (عماد ٤) والذي يعني أن هنالك عماد ١ و ٢ و  ٣ ، ولا نستبعد عماد ٢٠ و٣٠ ، ولا نستطيع أن نجزم أيّان تكون مسارات الأنفاق ، فهل تتجه نحو عمق الأراضي المحتلة أم لا.
الخوف من ضربة حزب الله يؤرق الكيان بسبب القرب الجغرافي وانهيار منظومات المراقبة والتجسس، والتوتر الحاصل داخل الكيان بسبب عدم قدرة الأميركي على حماية الكيان من صواريخ الحزب، لذلك توعز مهمة التصدي لرد حزب الله للإسرائيلي فقط.
أما الرد الإيراني فسيكون معقداً أكثر ، و ذلك بسبب  حجم الحشود الجاهزة للتصدي له وجعل المسألة في أن يكون رداً استراتيجياً مسألة  صعبة على الإيراني ، ولا ننسى أن المحور  و في مقدمته إيران يستعد دفاعياً و ليس فقط هجومياً ، وهذا ما يؤكده التسليح الروسي لكل الجبهات، بسبب قراءات تدل أن الأميركي قادم للحرب حتى لو على وتيرة منخفضة دون تدمير المدن وإيقاع عدد كبير  من الخسائر البشرية .
لذلك أهم سبب لعدم نجاح أية صفقة في الوضع الراهن، هو أن الحرب الآن وجودية لكل الاطراف وصولاً إلى أميركا و روسيا، وصراع الهيمنة العالمية بين القطب الأحادي (أمريكا) والثالوث الصاعد “القوى التعددية” (إيران ، روسيا، والصين) .
لقد شاءت الأحداث التاريخية و المسار الزمني للمقاومة، أن تكون هذه الحرب في أرض فلسطين وبلاد الشام وغرب آسيا بالعموم ، لذلك هي فرصة للروسي والصيني أيضا لكسب هذه الحرب في ما يسمونه “الشرق الأوسط”  لدحر الهيمنة الأميركية ،فمن يخسر سيخضع للآخر ويسلّم بموازين القوى الجديدة و  حينها ستكون المفاوضات للَجم المتغطرس والذهاب نحو السلام لا الحرب .

أ. أحمد كمال الدين