أحد أهم ما يميز العرب عن باقي الأمم من صفات – تكاد لا توجد في غيرهم من الأمم – المروءة والكرم والأنفة والشجاعة، لتكون صفات نتداولها جميعاً في أحاديث المدح وهي الشهامة والمجد.
ذُكرت هذه الصفات منذ المعلقات، أي ما قبل الإسلام، وبات من يتحلى بتلك الصفات يعرف بالأصيل، وابن الأصل، أي العربي الذي جاء الإسلام على قومه ليتمم مكارم الأخلاق، التي كانت شبه مكتملة منذ الجاهلية، ليأتي الإسلام ليضع قالباً لها، ويختم عليها بالتمام والاكتمال.
لم تكن المقدمة إلا تعريفاً لواقع، دون أي قصد عنصري لنبذ عرق أو بغرض التعالي، ولكن لأسأل نفسي أولاً ما الثمن الذي يمكن للمرء أن يقايضه بهذه الصفات ؟، وهل هنالك من القوم من استبدل شطراً منها ؟، وأين نحن من ماضينا؟
لأستحضر أبيات عنترة العبسي وهو يقول:
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
إني امرؤٌ سمح الخليقة ماجدٌ
لا أتبع النفس اللجوج هواها
وحين أتمعن في الأبيات وعمق المعنى مباشرة، أراني أنظر لجارة العرب.. أقصد قلب العرب الذي غزاه الغزاة وعاثوا به، لأجد عنترة هذا العصر يغض طرفه عما أصاب جارته – التي كان يخشى أن يخدش حياءها إذا وقع طرفه عليها – لتصبح خشيته اليوم من سماع استغاثتها. فنراه يسعى لمجد لا يتحقق إلا باتباع هوى النفس اللجوج، في حفلات السمر ذات الصخب، ربما لحجب صوت جارته، أو ربما كي لا يلجأ لفراشه باكراً حتى لا يتعرض لملامات نفسه.
لا أعني أحداً بعينه ولا أراني عنترة الأمس.. كلنا مقصر وينقصنا إعادة البحث عن أمسنا لنخفف ألم اليوم. بتنا أشبه بمن وقع في دوامة، لترمي بنا في عالم موازٍ، أضعنا به هويتنا، لدرجة أننا نصطدم كل يوم بتصريح أقبح من القبح، يصدر من “أصحاب العلم” وأهل الخطاب في هذا الزمن، يتلفظ واحدهم – أو بمعنى أدق “يتبرز” من فمه – لينأى بنا عن المجد بحجة السلامة واتباع الحكمة.
فأقول لمسخ اليوم لا تكفكف دموعك يا عنترة، بل ابك حتى تغرق بدموعك، فأنت بعيد كل البعد عن ذاك الشجاع الماجد، الذي قال:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها
قيلُ الفوارس: ويك عنترَ أَقْدِمِ
العربي الأصيل لم يكن يوماً من أصحاب منطق المراوغة والانبطاح، وإِلَّا لَمَا جابَهَ نفرٌ من المسلمين أُلوفاً مؤلفةً في الفتوحات التي نتغنى بها.
صلاح الدين حلس