اعتمدت الحركة الصهيونية – منذ نشأتها – على الكذب كاستراتيجية رئيسية في ترويج سياساتها على الساحة الدولية، ولاحقاً بعد قيام دولة الكيان أصبحت هذه الأكاذيب جزءاً أساسياً من سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة. هذه الأكاذيب المتكررة التي طالت مختلف جوانب الصراع، وضعت العدو في موقف الراعي الكذاب، وباتت التصريحات والروايات الصادرة عنه موضع شك حتى من أقرب حلفائه. واليوم بعد 76 عاماً على قيام دولة الاحتلال اتّضح للقاصي والدّاني أن كيان العدو لا يسعى للسلام، وهو لن يعيد للفلسطينيين أياً من حقوقهم التي سلبهم إياها، بل – على النقيض من ذلك – يسعى إلى تجريدهم مما بقي لهم من حقوق وممتلكات في فلسطين، وتهجيرهم مرة أخرى إلى الدول المجاورة أو البعيدة. ومع تزايد وعي دول وشعوب العالم بالحقيقة، تتراجع مكانة الكيان، وتتزايد الانتقادات الموجهة إليه من قبل الهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، مما وضعه في موقف دفاعي مستمر وصل إلى حد محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية. في هذا المقال نستحضر سلسلة طويلة من أبرز الأكاذيب التي روّجت لها الصهيونية قبل وبعد تأسيس الكيان.
- التأسيس على الكذب
تفتّق العقل الشيطاني لزعماء الحركة الصهيونية الأوائل مثل إسرائيل زانجويل وثيودور هيرتزل عن أغرب خطة استعمارية في العصر الحديث، فعقدوا صفقة مع التاج البريطاني نصّت على إعطائهم أرض فلسطين لإقامة دولة قومية عليها في مقابل تقديم خدمات وظيفية للقوى الاستعمارية الغربية في منطقة الشرق الأوسط.، ولتنفيذ بنود الصفقة، تبادل الطرفان أدوارهما المسرحية، فادّعت الحركة الصهيونية بأن “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، بينما استجابت بريطانيا بلسان وزير خارجيتها آرثر بلفور للدعاية الصهيونية عبر وعده المشؤوم الذي نصّ على أن الحكومة البريطانية تنظر إلى اليهود بعين الشفقة وسوف تساعدهم باستملاك أرض فلسطين لإنشاء وطن قومي يهودي عليها.
ولكن هل كان لشعار “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” أساس من الصحة؟ وما هي الحقائق التاريخية المتعلقة به؟
الإجابة على هذا السؤال لا تحتاج إلى باحث متخصص، فتاريخ فلسطين يشهد بوضوح على عراقة شعبها وأصالة وجوده فيها، والشواهد على كذب الرواية الصهيونية لا يمكن إخفاؤها. وبمراجعة سريعة لتاريخ المنطقة نجد أن فلسطين لم تكن أبداً أرضاً خالية من السكان. منذ العصور القديمة، سكنت هذه الأرض شعوب مختلفة، وفي الفترة العثمانية (1517-1917)، كانت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وكان يسكنها مزيج متنوع من الأعراق والأديان، بما في ذلك العرب المسلمون والمسيحيون واليهود، وبحسب الإحصاءات العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر، كان السكان العرب المسلمون يشكلون الأغلبية الساحقة في فلسطين. لكن هذا الشعار تجاهل تماماً الوجود التاريخي والحاضر للسكان العرب في فلسطين التي كانت مأهولة بمئات الآلاف من السكان الذين عاشوا فيها وأداروا حياتهم ومجتمعاتهم على مر العصور.
في عام 1948، ومع إعلان قيام دولة الكيان المزعومة، شهدت فلسطين واحدة من أكبر عمليات التهجير الجماعي في التاريخ الحديث، حيث أجبرت العصابات الصهيونية مئات الآلاف من الفلسطينيين على مغادرة منازلهم وقراهم في أكبر عملية تهجير ممنهجة في التاريخ الحديث، وما زال ملايين الفلسطينيين يعيشون في مخيمات اللجوء حتى يومنا هذا، في شهادة حيّة على أكثر الكذبات وقاحة في تاريخ البشرية. - الكذب حول أسباب الحروب
يعد اختلاق الذرائع الواهية وترويج الأكاذيب من أهم الأساليب التي يستخدمها الكيان الصهيوني لتبرير سياساته العدوانية وأنشطته التوسعية في المنطقة، فقد شنّت دولة الكيان منذ تأسيسها عشرات الحروب والعمليات العسكرية العدائية ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية الأخرى. وفيما يلي أهم الحروب التي شنّها الاحتلال منذ تأسيسه مقسمة على مرحلتين: فترة تأسيس دولة الاحتلال وتوسّعها، والتي انتهت مع مطلع الألفية الجديدة بطرده من جنوب لبنان، لتبدأ بعدها الفترة الثانية وهي مرحلة التراجع والهزائم.
2.1. في مرحلة التأسيس والتوسع:
إقامة كيان لجماعة بشرية لا تمتلك أرضاً يأتي من خارج السياق التاريخي والاجتماعي الطبيعي، وهذا حتّم على قادة الحركة الصهيونية انتهاج سياسة العدوان والاحتلال كخيار وحيد لبناء الدولة وتوسيع حدودها، فكانت العصابات الصهيونية هي اليد الشيطانية الضاربة للمشروع الصهيوني في المرحلة التي مهدت لتأسيس الكيان، والتي عملت بدعم من الانتداب البريطاني على تمهيد الأسس الأولى لإقامة دولة الاحتلال عبر ممارساتها الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني. وكان ذلك كله تحت ستار من الكذب الذي روّج له الصهاينة ورعاتهم لإنكار وجود الشعب الفلسطيني تمهيداً لتهجيره وسلبه أرضه ووطنه
2.1.1. التهجير التاريخي للشعب الفلسطيني
تأتي تبريرات تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه عام 1948 استمراراً لحبل النفاق الصهيوني بعد إقامة دولة الكيان المزعومة. فبعد تهجير الحركة الصهيونية لمئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم باستخدام أبشع أساليب القتل والترهيب، خرجت الرواية الصهيونية التي تدّعي أن الفلسطينيين رحلوا بأوامر من قادتهم الذين عمدوا إلى إثارة الذعر بينهم لإخلاء الساحة للحرب، في حين بقيت عشرات المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ومئات آلاف الشهادات الحية لأبناء الشعب الفلسطيني دليلاً تاريخياً لا يمكن دحضه على الوحشية التي مارستها عصابات الهاغانا وغيرها ضد أصحاب الأرض بهدف ترهيبهم وإجبارهم على الرحيل، فضلاً عن الوثائق التاريخية التي أكدت أن هذه العمليات كانت جزءاً من خطة ممنهجة لطرد أبناء فلسطين الأصليين وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم.
2.1.2. العدوان الثلاثي على مصر 1956
في عام 1956 – وبعد ثماني سنوات على النكبة – شنّ الكيان الصهيوني عدواناً على مصر بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، مستغلاً الامتعاض الغربي من تأميم قناة السويس من قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. بررت “إسرائيل” هذا العدوان بحجة الدفاع عن حرية الملاحة، بينما كانت الأهداف الحقيقية تتعلق بالتوسع داخل الأراضي المصرية والسيطرة على القناة.
2.1.3. نكسة حزيران 1967
بدأت حرب 1967 أو “النكسة” بذريعة “الدفاع الوقائي” ضد هجوم عربي وشيك. قام الكيان الصهيوني بشن هجوم شامل على مصر وسوريا والأردن، واستطاع احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. وأظهرت الوثائق التاريخية أن قيادة العدو كانت تخطط لهذه الحرب لتوسيع أراضيها وضمان السيطرة الإقليمية.
2.1.4. معركة الكرامة 1968
في عام 1968، هاجم العدو الصهيوني بلدة الكرامة في الأردن بحجة الرد على عمليات المقاومة الفلسطينية. ورغم الادعاءات الصهيونية، فقد أكد الأردن – الذي شاركت قواته في صد العدوان ودحره إلى جانب المقاومة الفلسطينية – أن الهدف الحقيقي للكيان من الحرب كان احتلال مرتفعاته الشرقية ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتراب من العاصمة عمان للضغط على القيادة الأردنية وقبول شروط الاستسلام.
2.1.5. اجتياح لبنان 1982
جاء اجتياح لبنان عام 1982 مرة أخرى بحجة “الدفاع عن النفس” كغطاء للخطط التوسعية الصهيونية، فاستخدم الكيان محاولة اغتيال سفيره في لندن كذريعة لشن عدوان واسع على لبنان، بهدف معلن هو القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. الحرب أدت إلى استشهاد آلاف المدنيين واحتلال العاصمة بيروت. ورغم إجلاء كل مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، فقد استمر الكيان في احتلال الأراضي اللبنانية حتى إجباره على الانسحاب منها عام 2000 تحت ضربات المقاومة.
2.2. في مرحلة التراجع والهزائم:
2.2.1. عدوان تموز 2006
نفذت المقاومة الإسلامية اللبنانية في 12 تموز عام 2006 عملية الوعد الصادق النوعية والتي أسفرت عن أسر جنديين صهيونيين بهدف مبادلتهما بأسرى المقاومة لدى العدو (تبين لاحقاً أنهما قتلا خلال العملية).
اتخذت دولة الاحتلال من عملية الأسر ذريعة لشن حرب مفتوحة على لبنان بهدف معلن هو “تحرير الأسرى”، إلا أن الدوافع الحقيقية كانت ترمي إلى القضاء على المقاومة الإسلامية اللبنانية، وبناء شرق أوسط جديد تكون الكلمة العليا فيه لأميركا و”إسرائيل” وجرّ المنطقة إلى تسوية سياسية مذلة تنتهي بتصفية القضية الفلسطينية. الحرب التي استمرت 34 يوماً انتهت بهزيمة العدو وفشله في تحقيق أهدافه في تحرير الأسرى، واضطر بعدها للذهاب إلى مفاوضات غير مباشرة وإجراء صفقة تبادل من أجل استعادة الجنديين الأسيرين اللذينِ فاجأت المقاومةُ الإسلاميةُ في لبنان العدوَّ بتسليمِه رُفاتَهما في مشهدٍ أذلَّ الكيان وساهمَ في تثبيتِ صورةِ النَّصرِ التّموزي على الكيان. بعد نهاية الحرب أكدت المقاومة أنها حصلت على معلومات استخباراتية تشير إلى أن الكيان كان ينوي شنّ عدوان على لبنان في خريف عام 2006، ولكن عملية الأسر سرّعت خطط العدوان وجرّت جيش الاحتلال إلى حرب بتوقيت المقاومة غيرت وجه المنطقة، وقلبت موازين القوى فيها.
2.2.2. العدوان على غزة
الهزيمة التاريخية أمام المقاومة اللبنانية عام 2006 وضعت الكيان أمام فهم لمحدودية قدرته على التأثير في معادلات المنطقة، فانكبحت شهوانيته التوسعية مرغماً، وتضخمت أمامه التحديات في الداخل الفلسطيني بشكل مضطرد، فبرزت غزّة المحاصرة كتهديد أول لمشاريع الكيان الإقليمية، وعقبة مركزية أمام سعيه للتطبيع القائم على هضم الحق الفلسطيني وتصفية القضية بشكل نهائي. فشنّ خلال العقدين الماضيين عدة حروب على قطاع غزة في الأعوام 2008 و2012 و 2014 و 2019 و2022، حيث كان يستخدم ذريعة “الدفاع عن النفس” في كل مرة، مبرراً ذلك بالتهديد الذي تشكله صواريخ المقاومة الفلسطينية، وهذه الحروب تسببت في استشهاد آلاف الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية بشكل كبير.
في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023 وبعد ملحمة طوفان الأقصى بدأ كيان العدو حرباً على قطاع غزة، وهي واحدة من أكثر الحروب إجراماً في التاريخ الحديث، وخلالها تكشّفت المشاريع الحقيقية للاحتلال وانفضحت الأكاذيب التي روّج لها حول قطاع غزة خلال السنوات الماضية. فبرزت إلى السطح مشاريع السيطرة على القطاع وترهيب سكانه بالقتل والقصف تمهيداً لتهجيرهم إلى خارج فلسطين.
- الكذب حول التوسع الاستيطاني والضم
الأكاذيب المتعلقة بالتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس هي من الأكاذيب الصهيونية الأكثر شيوعاً في المحافل الدولية. وفي ظل التناقض الكامل بين سياسة الاستيطان من جهة والقوانين الدولية والاتفاقيات التي أبرمها الكيان مع منظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى، فإن تبرير سياسة الاستيطان في أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس غير ممكن قانونياً، ولذلك تلجأ (إسرائيل) للأكاذيب الفاضحة تارة عبر الادّعاء أن ما يجري هو توسع طبيعي وتارة أخرى عبر التذرّع بتهديدات أمنية، ولكن الحقيقة الواضحة لكل فلسطيني والتي بدأ العالم بأسره يراها ويعلمها هي أن هذه المستوطنات ليست إلا أدوات لفرض السيطرة الكاملة على أراضي السلطة الفلسطينية. فكيف يمكن أن يكون التوسع طبيعياً بينما يتم على حساب اقتلاع الأشجار وهدم المنازل وتشريد العائلات؟ وكيف يمكن أن يكون ضرورة أمنية ودولة الاحتلال تبني جدران العزل وتفرض الحواجز وتدمر قرى بأكملها؟
الكيان يسعى من خلال هذه المستوطنات إلى تغيير الواقع الديموغرافي في الضفة الغربية والقدس، حيث يتم جلب المستوطنين اليهود من جميع أنحاء العالم ليعيشوا على الأرض الفلسطينية، في حين يتم طرد الفلسطينيين منها. هذا النهج يهدف إلى تقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفقاً للقرارات الدولية ومبدأ حل الدولتين. فكيف يمكن بناء دولة مستقلة والشعب محاصر بين المستوطنات والجدران والحواجز العسكرية؟
هذه الوقائع كلها تؤكد أن الاحتلال لا يسعى للسلام، ولا يفكر في إعطاء الفلسطينيين أي جزء من حقوقهم التي سلبها منذ النكبة وحتى يومنا هذا، بل على النقيض من ذلك تماماً، هو يسعى لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس وأراضي 48، وسلبهم ما تبقى من حقوقهم وممتلكاتهم في أرضهم ووطنهم.
- الكذب حول معاملة الفلسطينيين وانتهاكات حقوق الإنسان
الكذب بشأن معاملة الفلسطينيين يشمل إنكار الكيان وجودَ انتهاكاتٍ مستمرة لحقوق الإنسان. ادعاء الاحتلال أن الإجراءات الأمنية تهدف فقط إلى تطويق أعمال المقاومة يتناقض مع التقارير المتكررة من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية التي توثق الاعتقالات العشوائية، والتعذيب، وهدم المنازل، وحصار غزة. في كثير من الحالات، تكون هذه الإجراءات عبارة عن عقوبات جماعية تهدف إلى إذلال الشعب الفلسطيني وكسر إرادته.
4.1. الاعتقالات العشوائية
تُعتبر الاعتقالات العشوائية من أكثر الانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها الفلسطينيون من قبل سلطات الاحتلال. يتم اعتقال الآلاف من الفلسطينيين من دون تهم أو محاكمات، بما في ذلك الأطفال والنساء. يعيش الأسرى في ظروف قاسية وغير إنسانية، ويتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة. تقارير منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية وثقت الآلاف من هذه الانتهاكات وطالبت بإنهائها دون جدوى.
4.2. التعذيب وسوء المعاملة
تعتمد سلطات الاحتلال الصهيوني على التعذيب كوسيلة لانتزاع الاعترافات والمعلومات من الأسرى. هذا الأمر يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولاتفاقية مناهضة التعذيب التي وقع عليها الكيان. تتنوع أساليب التعذيب بين الجسدي والنفسي، وتشمل الضرب المبرّح والحرمان من النوم والعزل الانفرادي وغيرها.
4.3. هدم المنازل
ويعتبر أحد أبرز أشكال العقوبات الجماعية التي تستهدف الفلسطينيين، وخاصة في الضفة الغربية والقدس. هذه السياسة، التي تُنفَّذ كإجراء انتقامي ضد منفذي عمليات المقاومة، لا تعاقب الأفراد فقط، بل تمتد لتشمل عائلات بأكملها، تاركة إياهم من دون مأوى، مما يفاقم من معاناتهم الإنسانية والاجتماعية.
4.4. حصار غزة
الحصار الصهيوني لقطاع غزة والمستمر منذ حوالي عقدين من الزمن، يشكل واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية خطورة في العصر الحديث. أدى هذا الحصار إلى نقص حاد في الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والدواء والكهرباء، مما جعل حياة الفلسطينيين في غزة شبه مستحيلة. تصف الأمم المتحدة الحصار بأنه شكل من أشكال العقاب الجماعي وتنادي برفعه فوراً. بالإضافة إلى الحصار، تعرضت غزة لعدة موجات من العدوان العسكري، وآخرها العدوان الحالي بعد عملية طوفان الأقصى والذي دمر البنية التحتية للقطاع بالكامل وأوصل الوضع الإنساني لسكانه إلى درجة الكارثة.
- الكذب في العلاقات الدولية
يسعى الكيان دائماً إلى تصوير نفسه كضحية في العلاقات الدولية، مبرراً كل تصرفاته بأنها رد فعل على تهديدات وجودية. واعتماد الاحتلال على الدعم القوي من الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، يعزز من قدرته على تصوير نفسه كضحية في الحروب، كما أن تحالفاته السياسية والعسكرية مع القوى الكبرى تساهم في تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للكيان في المحافل الدولية، مما يعزز من قدرته على ترويج روايته المزيفة للأحداث. هذا النهج يمكن أن يكون فعالاً على المدى القصير، لكن تكرار العدو لهذه الادعاءات من دون أدلة مقنعة كشف حقيقته بمرور الوقت وتعاظمِ الإجرام، حيث أصبحت الدول والمنظمات الدولية والشعوب أكثر وعياً بالتناقضات والحقائق على الأرض، ومع تزايد وعي المجتمع الدولي بحقيقة الوضع على الأرض، تبدأ “سرديةُ إسرائيل” في التآكل. تقارير المنظمات الدولية، والشهادات الحية، والتغطية الإعلامية وخصوصاً تلك التي اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على التناقضات بين ما يدعيه الكيان وما يحدث فعلياً. وينعكس هذا الوعي المتزايد في الانتقادات لدولة الاحتلال في المحافل الدولية والدعوات المتزايدة لمحاسبتها على انتهاكاتها.
حتى في مجالات التكنولوجيا والاستخبارات، تعرضت الدول الحليفة للكيان لأنشطة تجسسية من قبله، وكان في طليعتها الولايات المتحدة، الحليف الأول لدولة الاحتلال، والتي تعرضت لعدة حالات من التجسس، كان أبرزها قضية جوناثان بولارد، الموظف السابق في الاستخبارات البحرية الأمريكية، الذي أُلقي القبض عليه عام 1985 بتهمة التجسس لصالح “إسرائيل”، بعد أن زوّد الكيان بكمية هائلة من الوثائق السرية. وفي عام 2021، ظهرت تقارير تشير إلى استخدام برنامج التجسس “بيغاسوس” من شركة NSO الإسرائيلية لاستهداف مسؤولين حكوميين فرنسيين، بمن فيهم الرئيس إيمانويل ماكرون. هذا الكشف أثار غضباً واسعاً في فرنسا ودفع الحكومة إلى فتح تحقيقات موسعة حول التجسس الإلكتروني والتعاون التكنولوجي مع كيان الاحتلال.
انفجار فقاعة الكذب الصهيونية بعد عملية طوفان الأقصى
شهد العالم تحولاً كبيراً في الرأي العام تجاه إسرائيل بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي كشفت الكثير من الأكاذيب والمعلومات المضللة التي اعتمدها الكيان لسنوات طويلة لتبرير سياساته وأفعاله ضد الفلسطينيين. هذا التحول يمكن وصفه بانفجار فقاعة الكذب الإسرائيلية، حيث أصبح من الصعب على دولة الاحتلال الحفاظ على مصداقيتها أمام دول العالم وشعوبه.
ومع تزايد التغطية الإعلامية للعدوان الصهيوني على أهالي غزّة، وخاصة عبر وسائل الإعلام البديلة ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبح العالم أكثر وعياً بمعاناة الفلسطينيين. مشاهد الدمار والضحايا المدنيين في غزة، والاعتقالات التعسفية، والهدم المتواصل للمنازل في الضفة الغربية، كلها ساهمت في توليد تعاطف عالمي مع الفلسطينيين، وبدأ الكثيرون يرون أن الرواية الصهيونية لا تعكس الواقع على الأرض، بل تحاول تغطية انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الاحتلال.
طلاب الجامعات حول العالم، وخاصة في الدول الغربية، أصبحوا بدورهم أكثر وعياً ودراية بحقائق الصراع، باتوا أكثر تشككاً في الروايات الرسمية للعدو وبدؤوا بالبحث عن مصادر بديلة للحصول على المعلومات. هذا الانقلاب في الرأي العام العالمي والذي امتدّ ليدخل أسوار الجامعات الغربية تجلّى في موجة من الاحتجاجات والمظاهرات التي نظمها الطلاب، والتي رفعت شعارات تندد بالعدوان الصهيوني وتطالب بإنهاء الاحتلال ودعم حقوق الفلسطينيين.
تأثير انفجار فقاعة الكذب الصهيونية لم يقتصر على الرأي العام العالمي، بل اتسع ليصل إلى الحكومات والمنظمات الدولية، وتردد صداه داخل مؤسسات المجتمع الدولي. جنوب إفريقيا كانت أولى الدول التي اتخذت موقفاً قانونياً حازماً، ورفعت قضية ضد “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بارتكاب الإبادة الجماعية في عدوانها على غزة. هذا الإجراء كان أحد العوامل التي عززت انتشار الرواية الفلسطينية، وجعل من وقف الإبادة الجماعية شعاراً موحداً رفعته الاحتجاجات الشعبية في كل أنحاء العالم.
إن دماء الشهداء الفلسطينيين التي أُريقت عبر عشرات السنين لم تذهب سدى، فالحقيقة كانت ولا تزال أمضى الأسلحة التي امتلكها الشعب الفلسطيني، وقد أثبت التاريخ أنها حبل النصر المتين، وأنّ حبائل وخيوط الكذب الصهيونية أوهن من بيت العنكبوت. تلك التضحيات كانت الوقود الذي أشعل فتيل الوعي والتضامن العالمي مع القضية الفلسطينية. من الشوارع والمدن إلى المؤسسات الدولية، ومن الجامعات إلى المنظمات الحقوقية، انتشرت رسائل العدل والحرية التي ينادي بها الشعب الفلسطيني. هذا الحراك المتزايد والوعي المتنامي هما دليل على أن النضال الفلسطيني لم يكن عبثياً، بل كان خطوة نحو تحقيق العدالة والحرية وبناء الدولة الفلسطينية كاملة السيادة من البحر إلى النهر.
محمد إبراهيم