نُستنفَرُ بعدَ الثانيةَ عشرةَ يومياً في هيئةِ تحريرِ موقعِنا لجدولةِ المقالاتِ والموادِّ لتصدُرَ في موعدِها..!
كنتُ أغالِبُ تهالكَ حالي الصحيَّة لإعدادِ المقالِ المُنتظَر!
أخطرَني آدم نائبُ رئيس التحرير بلهجتِه الفلسطينية:
- أستاذة فاطمة.. بَدوِّر على مقالات مختارة تحلِّل خطاب الرئيس مش ملاقي..!!…
كانت تتهالكُني تراكُماتُ الإهمالِ الصِّحيِّ التي أوجبَ عليَّ العهدُ أن أتناسَاها عندما لبَّيتُ لبلادِنا نداءَها.. وقعَ عليَّ هذا الكلامُ كالقاضية!
ثمَّ تابعَ آدم: - الأمر اقتصر على التحليلات السياسية على الشاشات، ولا تستوفي المشهد أبدا!!!!!!!
أرسل علاماتِ التَّعجُّب الكثيرة.. وتابع: - غريب!!!
- معهم حقّ يا آدم…
- مش فاهم!
- لم يحضروا الكلمة.
- ….. (صمت آدم)
- هناك مشكلة في التَّغطية.. لم ينتبه لها أحد!
- أستاذة فاطمة.. كل الشاشات نقلت الخطاب!..
………
أذكرُ أنني كنتُ أقفزُ على تعبي وأنا أتابعُ السيَّدَ الرئيس.. هتفتُ لهُ ملءَ روحي… كيفَ تقولُ هذا؟! أيُّ سماءٍ تُلهمُك؟!!… ربَّي يحميك… كنتُ أتتبَّعُ مع يدِه كيفَ يرسمُ “كلاكيت القارَّة الجديدة”.. ويقولُ لهذا وذاك لن تكونَ حاضراً في المشهدِ السياسيِّ القادمِ في المنطقة لأنه مشهدٌ سياديّ، ضحكتُ وضحكتُ وهتفتُ وبكيتُ بكيتُ بكيتُ وتوضأتُ بكلِّ سنواتِ الحربِ التي كُنَّا نصنعُ فيها نعشَ العدوِّ وصلَّيتُ دموعاً حتى جفَّ قلبي!!!.. ثمَّ قالَ الرئيسُ الأسد: - والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه!!
ومضى وسطَ تكبيراتٍ تحوطُه وبخورٍ يحرُسُه ودعواتٍ حانيةٍ تؤمِّنُ عليه وعلى خطوِه المهيب فيما كانت الكاميرا تعلو باتجاهِ القِبَّة!
وقبلَ أن تنالَ منِّي الدَّهشةُ هُرعتُ وراءَه وسألتُه هاتفة: - إن لم أكن سوريةً فماذا كنتُ لأكونَ ياااااا سيادةَ الرئيس!
كانت الكاميرا تجوبُ القِبَّة… فالتفتَ السيدُ الرئيسُ إليَّ وقال لي: - بل كوني مدى كلِّ ذلك يا بُنيَّة… هذي البلادُ هي كلُّ النَّص.. هي مقدِّمتُه ومتنُه وخاتمتُه… فكوني مداه.. كوني حبرَه… كوني فاطمةَ الشامِ وقدسَ فلسطين.. توضئي بثرى غزَّة… وافترشي سجَّادة اليمنِ بحراً مُطهَّراً وتوشَّحي بجبينِ العراقِ ثم انبُتي لا شرقيةً ولا غربية.. بل جنوبيةً وجَّهت وجهها إلى محرابِ الأنبياء.. حتى وإن بقيتِ وحيدةً كالفارسيِّ الذي أبى على النيرانِ إلا عصيانا.. ويمَّمَ دربَ الخلودِ صوبَ أحمد.. فكانَ منه!!
كان يمضي الأسدُ وسط تصفيقٍ حاد… ورجعُ صدى صوتِه يردِّد…: - يا بنيَّة.. لا تحتبِري لقلمِك بالأسود… ولا بالرَّمادي أو سواه.. بل بأحمرِ الشهداء.. فالمفاهيمُ لا تقبلُ التوسُّطَ.. وفّي النذورَ وأرسلي النَّصَ في الأمداء.. دون ذلك يا فاطمة… لا تكتبي!!
………..
آدم: - أستاذة فاطمة!
- معهم حقَّ… لن يجرؤوا على الكتابة!
- !!!!!
- نعم آدم.. لم يحضُروا الخطاب!… اسمع… الخطأُ كانَ في التغطية.. فلم يصلِ النَّصُّ للجميع!!.. سأرسلُ لك النَّصَّ كاملاً.
- هل كنتِ في مجلسِ الشعب؟!
- لا…
- أستاذة فاطمة مش فاهم.. أها… فزَّورة هاي؟!
- كنتُ أمامَه.. تحتَ ظلِّ القبَّة!!……. إليكَ النَّص كاملاً:
قال السيَّدُ الرئيس بشار الأسد:
محكمة!!
إذا قبلتَ بشهادةٍ أو دليلٍ أو كلماتٍ ممَّن خان ذات المبدأ يوماً ما، فإنَّك أوَّلاً تدلّل على أنَّ قضيَّتَك ضعيفةٌ أوهزيلة… وحاشَاها بلادُنا أن تكون!
إنَّ القضايا الشريفة لا تقبلُ أنصافَ الشُّرفاء، والانتماء يلفظُ أنصاف الجذور!
لا يمكن أن تجدَ إنساناً يرفضُ انتهاكَ حرمتِه ويقبلُه في أخيه، إلا وفي شرفِه رَيبٌ ولوثة!.. مستحيل… هذا قانونٌ كونيّ!
فليدركِ الكون هذه الحقيقة:
إنَّ هذا هو منطلق الإخلاص للحقِّ!
ولا يَجُبُّ الضلالَ عن الحقِّ سوى الرجوعِ إليهِ كاملاً لا مجزوءاً أو منقوصاً!
وإذا قبلتَ أن تعطيَ ظهرَك لمن طعنَ أخاك، لا يُسمعُ بل لا يُسمحُ لك أن تصرخ “آخ” عندما تُطعن!!
لا ينقُصُ قضيَّتَنا الشرفاء حتى نستجلبَ لها أنصافَهم لأنَّ أقوالَهم خدعتنا، فالقضايا لا تقبلُ الأقوال.. بل هي معضودةٌ بالبيان!
نحنُ كنَّا نحاربُ وحدَنا.. لأن هذا حقّ!
ونحنُ نحاربُ الآنَ.. لأنَّ هذا حقّ!
لن نترك فلسطين ولو لم يبقَ دونَنا من ينصرُها لأنَّها ليست للسّكان بل للمنتمين!.. وأبناءُ فلسطينَ في كلِّ الأرض لا فقط في فلسطين!
“وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً”!
واهمٌ من يعتقدُ أنَّ فلسطينَ تحتاجُ أحداً!
فلسطينُ اليوم تنقذ من تبقى من الغافلين الذين لم يعرفوا أو لم يصلْهم ما حملته سورية للعالمين!
لا يظنَّنَّ أحد أنَّ بلادَنا -حاشاها- تستجدي أحداً!
والله كلُّ ذرةِ ترابٍ فيها هي بعضُ صراطِ الله!
والله… ستحاسبُ الذَّرَّةُ الجميع حتَّى على الفكرة!
والفكرةُ واضحةٌ بيِّنَةٌ مصطفَّة!!
وحَمَلَتُها روَّادُ مصيرِها أخيراً.. مذلةً أو كرامة، لا بَيْنَ بينَهما!
أما نحنُ:
فعُدّتُنا اكتملت.. ونصابنا استُوفي!
وفقط نذكّر!
“فهل من مدَّكِر”
هذا خطابُ الحقِّ تلقيهِ بلادُنا على مسامعِ الكون..!
وبلادنا هي النصُّ كلُّه!
مقدِّمتُه ومتنُه وقافيتُه!
وفلسطينُ نهايةُ المطاف!
استحقاق الدروبِ والاصطفاف!
هي الأعرافُ إذ أوحى تعالى!
وثقيلةً على الكون ستكون…النَّقطةُ في آخرِ السَّطْر!
هذي البلادُ طينُها لا كَكُلِّ الأجساد.. بل هو محضُ نبتٍ من الدماءِ والأرواحِ المطهَّرة.. يُرفعُ منهُ بخورٌ وشعرٌ ونثرٌ يقيمُ السماءَ بلا عمدَ!
هذي بلاد الشمسِ من الجدودِ حتى الولد.. هذي هي “بهذا البلد”!
لا ظِلّ فيها يبقى.. سوى من نورٍ مسطور!
بل هي الكتابُ محفوظاً من هاتيكَ المغارةِ إلى المسرىَ المبخور!
هذي بلاد الشمس!
وفيها يتوارى المؤمنون لا مِنَ الشمس بل فيها..
يتوارون عن الأشقياء… ليكونَ ميعادٌ مقيمٌ عظيمٌ جليلٌ مهيب!
“وقلنا يا أرضُ ابلعي ماءَكِ ويا سماءُ أقلعي”!
لا انتصافَ بيننا وبينهم… بل حساب!
حسابٌ.. نحن ميزانُه ونحن أعرافُه ونحن صراطُه!
نحن ظلالُه وتجلّياتُه!
نحنُ حَمَلَةُ عرشِه
بل نحنُ عرشُه!
هكذا استعمَلَنا فكُّنَّا له!
نحن له
وهم إلى هباء!
هذا خطابُ… بل هذا وديعة الشهداء!
وأنا…
انا لا أعيشُ تحتَ السَّمَا
بل أنا… في ظلِّ الشَّهيد!
والسَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه!
رئيس التحرير
فاطمة جيرودية – سوريا