في سياق الصراعات غير المتكافئة، حيث يختل ميزان القوة العسكرية بشكل واضح بين طرفين، تبرز الحاجة إلى أدوات تحليلية مختلفة لتقييم النتائج. في هذا الإطار، تعتمد قوى المقاومة مفهوماً سياسياً–استراتيجياً يُعرف بـ«الانتصار بالنقاط»، بوصفه بديلاً عن مفهوم النصر العسكري التقليدي القائم على الحسم السريع والسيطرة الميدانية الكاملة.

يقوم هذا المفهوم على إعادة تعريف النصر من كونه نتيجة عسكرية نهائية إلى كونه عملية تراكمية تُقاس بمدى تحقيق الأهداف أو إفشالها. فمن منظور المقاومة، تُعدّ (إسرائيل) الطرف المباشر في الصراع، وهي التي تدخل المواجهات بأهداف سياسية وعسكرية واضحة، مثل إنهاء قدرات المقاومة، فرض معادلات ردع أحادية، أو إعادة تشكيل البيئة السياسية والأمنية المحيطة بها.

في هذا السياق، يُصبح فشل (إسرائيل) في تحقيق هذه الأهداف – بغضّ النظر عن حجم القوة المستخدمة – مؤشراً سياسياً بالغ الدلالة. فالاستمرار التنظيمي، والحفاظ على القدرة القتالية، ومنع فرض شروط سياسية جديدة، جميعها عناصر تُحتسب كنقاط متراكمة في ميزان الصراع. وعليه، لا يُقاس الانتصار بما يحققه الطرف الأقوى من دمار، بل بما يعجز عن تحقيقه من أهداف استراتيجية.

يتجاوز مفهوم الانتصار بالنقاط البعد الإسرائيلي المباشر ليشمل الإطار الدولي الأوسع، ولا سيما الدور الأميركي. فالولايات المتحدة، بصفتها الداعم السياسي والعسكري الرئيسي (لإسرائيل)، تُعدّ شريكاً غير مباشر في نتائج المواجهة. ومن ثمّ، فإن أي إخفاق (إسرائيلي) في الحسم، أو أي اضطرار أميركي للتدخل لاحتواء التصعيد أو فرض تسويات، يُقرأ في خطاب المقاومة بوصفه تراجعاً في فعالية منظومة الدعم والهيمنة الإقليمية.

ضمن هذه المقاربة، يتشكّل موقف المقاومة كخيار استراتيجي طويل الأمد، لا يقوم على البحث عن نصر فوري، بل على إدارة الصراع بما يمنع الخصم من ترجمة تفوّقه العسكري إلى مكاسب سياسية حاسمة. ويُضاف إلى ذلك بُعد معنوي وإعلامي يُنظر إليه كجزء لا يتجزأ من المعركة، حيث تلعب السردية، والقدرة على الحفاظ على التماسك الداخلي، دوراً محورياً في تعزيز شرعية هذا النهج.

في المحصلة، لا يُقدَّم الانتصار بالنقاط بوصفه إنكاراً لموازين القوة، بل بوصفه قراءة سياسية واقعية لها. فهو يعكس فهماً يعتبر أن الصراعات الحديثة لا تُحسم دائماً في ميادين القتال، بل في القدرة على الصمود، وإفشال الأهداف، وتراكم التأثير مع الزمن.

«في الصراعات غير المتكافئة، لا ينتصر من يملك القوة الأكبر بالضرورة، بل من ينجح في منع هذه القوة من التحول إلى نصر سياسي حاسم.»

فاتنة علي_لبنان/سورية الكبرى