ليلة سقوط الأمة!
هكذا غابتِ الشام… وخسف القمر!
لم يحدث في حياتي كلها… أن بكت روحي كهذه الأيام!
حتى في لحظات السقوط… رفعت وجهي إلى السماء
غنّيت… غنيّت للجنود وبكيت…!
كانت دمشق تهوي وتصرخ.. وكنتُ أضمها أقبّلها أوضّئها أبخّرها أرفعها إلى السماء… وأودعها يدَ الله!
شاهدت يده بوضوح… شاهدت وجهه ونوره وقدَرَه!
وأنا أغني وأنظر إليه:
_يا ربّناااا يا ربّنااااا يا ربّنااااا احفظ لنا جنودناااااا ياربّنااااا
ثم أتلو:
_وأوحى ربّك….
ثم أنظر إلى الرصاص يغطي سماء الشام… فتتراءى لي القدس وشيءٌ ما يقول:
_ويمكرون ويمكر الله!
ظنّ أهلي أنني فقدت عقلي أو جننت وهم يرون كيف كنت أباري صوت الرصاص الآثم بالدعاء…
وأرفع صوت الأغنيات على صوت التكبيرات الكافرة…
لكنّني كنت أرى وجوه جيشنا الباسل… ألوّح لهم وهم يغيبون
وأدعو لهم بالأمان… وأواثقهم على عهد لا ألين فيه!
كنت أسمع كلماتٍ محددة للسيّد الرئيس ترن في روحي… فأدعو له والدموع تغطي كلّ الخطايا التي اجتاحت دمشق!
رأيت العواصمَ الطاغية تتهاوى واحدة تلو أخرى.. ولكنّ يد الله لم تلتقطها!
رأيتُ الرزايا جحافلَ من كفرٍ لشخوص لها ذقونٌ وفوق رؤوسها عمامات تحتها تختبئ الكبّآت الصهيونية.. رأيتها كيف تغزو وتجتاح دروب البلاد!
سمعتُ لأول مرة في حياتي صوت معاوية ويزيد يشتم علياً في مآذن الجوامع!
أصابتني رعشة زينبَ الحوراء حين قطّعوا أخاها الحسين شهيدا وعفّروه بالتراب!
تراءت لي كل الأمم التي خذلت الحسين وقاتلته وقتلته وآله!
وأنا مازلت أبكي وأغني وأدعو… وأودع الله عهدي الثقيل!
كان علينا سريعا أن نغادر هذه الجورة التاريخية الآثمة… كنت أبحث من الله على عهد يواثقني به كما واثقته… هل سيهبط من السماء أم سيأتيني طارق مسكين أم هاتف يلقي عليّ كلمة…
هل ألمّ بعض التراب من حديقة منزلي أم آخذ غصن شجرة أم صورة أخيرة؟!
وقعت عيني على المصحف الشريف.. كما لو أنه استدعاني فهُرعت إليه.. كانت تلك اللحظة التي انهرت فيها بالاستغاثة وشعرت أن الكتاب الكريم كان بوابة إلى حرم الله… فصرخت بقهر:
ياااااااااااربييييي… سووووورية!!
مازال القرآن الكريم يحتفظ لي بالدموع التي بللت الآيات عهدا وقسما ويمينا.. وأنا أقرأ ماقاله لي كتاب الله عندما فتحته لاهفة:
” قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ (21)”
