إلى من يسمون أنفسهم فلاسفة وفيلسوفات، إلى سدنة الفكر وحرّاس المعنى في هذا الزمن الأغبر. أقف اليوم على حافة الخذلان، لا لأحاوركم بمنطقكم، بل لأعلن كفري بمذاهبكم، ورفضي لأصنامكم الفكرية التي شيدتموها في أبراجكم العاجية، بعيدًا عن صراخ الإنسان ودمه المسفوك.

لقد قرأنا لكم عن “الأنسنة” (Humanism) حتى ظننا أن الإنسان هو قِبلَتكم. بحَثتم في “الماهية” و”الوجود”، وفصّلتم في “الأخلاق” و”الواجب”، وكتبتم المجلدات عن “الذات” و”الآخر”. فأخبروني بربّكم، أين يقع “إنسان غز//ة” في خرائطكم الوجودية هذه؟ هل هو مجرد “مفهوم” يُشرّح في ندوة؟ أم “فرضية” تُختبر في مقال؟ أم أنه كائن من لحم ودم، حقيقي إلى درجةٍ فاضحة، يلطّخ دمُه نقاء نظرياتكم ويُفسد تناسقها؟

تتكلمون عن “فلسفة الفعل” (Philosophy of Action) وأنتم أسياد السكون. تتأملون “المسؤولية الأخلاقية” وأنتم أول الهاربين من استحقاقاتها. لقد تحولت كلماتكم الكبرى إلى ستارٍ سميك يحجب عنكم وليس عنا رائحة الموت. بنيتم من “التجريد” ملجأً، وفررتم من فوضى الواقع إلى نظام الأفكار، وتركتم الإنسان وحيدًا يواجه آلة القتل، بينما أنتم منشغلون بضبط إيقاع جملة أو تدقيق حاشية في كتاب.

أي قيمة لفلسفة تخشى أن تتخذ موقفًا؟ أي معنى لحكمةٍ لا تصرخ في وجه الظالم؟ لقد ارتكبتم الخيانة الكبرى، ليست خيانة قضية فحسب، بل “خيانة العقل” نفسه. فالعقل الذي لا يهتز لمجز/رة، والمنطق الذي لا ينهار أمام رؤية طفل يُنتشل من تحت الركام، ليس عقلًا إنسانيًا، بل هو أداة باردة، ولعبة ذهنية عقيمة.

لقد انتظرنا منكم صوتًا يوازي عمق الكارثة، موقفًا بحجم ما تدّعونه من إدراك. انتظرنا فيلسوفًا يصرخ “أنا أتمرد، إذن أنا موجود” في وجه الطغيان، لا فيلسوفًا يهمس “أنا أفكر، إذن أنا معزول في مكتبي”. لكنكم صمتم. وكان صمتكم هو فلسفتكم الحقيقية، بيانكم الأكثر بلاغة، الذي كشف أن “الإنسان” في خطابكم ليس إلا وثنًا لفظيًا، وأن “الإنسانية” لديكم حبر على ورق، لا جرحًا في الروح.

لهذا، أعلن اليوم كفري بفلسفاتكم هذه. أكفرُ بفكرٍ لا ينبض بوجع العالم. أكفرُ بحكمةٍ جبانة لا تجرؤ على تسمية القاتل قاتلًا والضحية ضحية. وأؤمن بفلسفة أخرى، لم تُكتب بعد، تُصاغ الآن في شوارع غز//ة. فلسفة تُكتب بالدم لا بالحبر، وتُعمَّد بالصمود لا بالتأمل.

محمد علي ميرزائي

By adam