📌مقدمة: النصر والهزيمة:

لاشكَّ أن الحرب أكلت الأخضر واليابس، ودمرت جُلَّ مناحي الحياة في غزة، وهو انتصار صوري أو رمزيللكيان، إلا أن تبعات هذا الدمار الشامل والحرب الممتدة لن تختفي مرة واحدة، وبالتالي فإن الحديثعن ماهية الانتصار ومَنْية المنتصر ليس له موقع من الإعراب حاليا، فويلات الحرب ورائحة النار وطعمالفقر مازال مسيطرًا؛ لكنَّ الهزيمة المؤكدة تحققت في الكيان دون شكٍّ يذكر، ولعلَّ عدم تحقيق أهدافهالتي وضعها في بداية الحرب يؤكد ذلك، فلم يُعِد الأسرى إلا بمفاوضات وأثمان متوازية، ولم يقتل روحالمقاومة رغم اختفاء الرعيل الأول من قادة المقاومة السياسية والعسكرية والأمنية على الساحةالحربية، ولم يُخضِع المقاومة واستسلامها، رغم القضاء على قيادات من الوزن الثقيل، ولم يستطعتهجير الفلسطينيين -التي أراد أن يعملَ نتنياهو نسخةً ثانية لنكبة 1948م- رغم مئات آلاف الصواريخوالقنابل التي تضاهي ستّ قنابل نووية، وتسقط عشْرة دول!.

كلُّ هذا يدلِّل على أنَّ الهزيمةَ للكيان، وذلك باعترافات قادته وإعلاميّيه مثلما قال سموترتش مستهزئا: مبارك يا نتنياهو فلقد عادت حماس للسيطرة!.

كما أنَّ النصر للشعب الفلسطيني في غزة، الذي صبر ورضي بما أصابه وحلَّ عليه من قهر الجوع وبردالشتاء وعذاب الصيف وكابوس النزوح وجحيم الصواريخ وآلام الفقد وعشرات آلاف الشهداء .

📌إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية:

منذ السايع من أكتوبر والقضية الفلسطينية بدأت تأخذ منحى تصاعديًّا وتتزايد العنايةُ بها، وتُوَجهالبوصلة إليها، فكان الكثير من الشعوب العربية والإسلامية -وحتى الغربية- يقتنع أنَّ هذا الطوفان ما هوإلا انعكاسة بسيطة، ولفتة تعكس الظلمَ والقهرَ الذي أصابَ غزةَ منذ سنينَ بعيدة.

لقد ظهر في الدراسات ونتائج الاستطلاع في أمريكا أن نسبة المؤيدين لطوفان أكتوبر يفوق الـ80٪؛وبالتالي فإنّ إظهار هذه النسبة التضامنية الكبيرة لصالح غزة من بين ولايات كانت تُزجي أسلحةوصواريخ محرمةً دوليًّا، فهذا يعكس أنَّ القضية الفلسطينية أصبحت سيدة المواقف وحديث العواصمورأس الساعة، شرقيا وغربيا.

ولا يمكن تناسي المواقف المشرِّفة لبعض الرؤساء الذين رحبوا بل أقروا بالاعتراف بدولة فلسطين،وبعضهم مثل: رئيس كولومبيا يخاطب ترمب بأن يُكوِّن جيشًا لتحرير فلسطين وهو أحد المتطوعين لهذاالجيش.

هذه الأصداء غير العربية والجديدة لا تبحث عن ترندات أو مواقف سياسية، ولكنَّ الحربَ ومشاهدَهاالمروعة أيقظت النخوة والصحوة في قلوب ذوي الضمائر الحية بعيدا عن الجنس واللون والدين.

الحرب الممتدة هذه قد أعادت اعتبار القضية الفلسطينية، وجعلتها ضمن الأولويات -عربيًّا وغربيًّا- فأصبح الحديث عنها مدار الساعة وفي قاعات الاجتماعات وفي المحافل الدولية والمواقف الأممية،فكان الجميع يرى بمظلومية غزة مقابل ذلك عزلة دولية وأممية، بل ملاحقات سياسية وطرد سفراء منبعض البلاد وعدم ترحيب أو استماع لخطابات نتنياهو وغير ذلك.

📌سقوط الرواية “الإسرائيلية”:

فكَّر نتنياهو هو وأعضاؤه نحو تدمير المقاومة وقدراتها، ووظَّف الأسلحة والأدوات التكنولوجية كلَّها،واستخدم المطبخ السياسي والأمني في أمريكا، واستشار شياطين البشر؛ ليحقق أهدافه ويُعتم الصورةويحاول في كل مرة أنْ يقتل الحقيقة، وذلك من خلال تصفية الصحفيين والإعلاميين، وكلما ارتكبمجزرة برَّرها بأن سببها المقاومة أو أنها دون قصد، أو يغيِّر صورةَ الواقع، وذلك بأنَّ القطاع تَدخُلهالمساعدات دون مجاعة وغير ذلك من تزييف الحقائق؛ كما يقوم في كثير من الأحايين بالتهديد وبثِّالخوف عبر منشورات موزعة في بعض المناطق التي يجتاحها ، ويعلن كثيرًا الاقتراب من النصر والقضاءالتام على المقاومة، لكنه فشل في كل ذلك، بل رأى ماكينة الصورة الإعلامية لا تتوقف باغتيال صحفي أوأكثر، وأن كذبه في عدم وجود مجاعة ظهر جليا عند إظهار أحد أسرى جنوده، والذي ظهر كهيكل عظمييظهر عليه علامات المجاعة.

حاول أن يصنعَ الفوضى من خلال نقاط المساعدات الإنسانية والأمريكية المُهينة وصناعة مليشياتبزعامة (ياسر أبو شباب) وغيره، وقد نجح نجاحا جزئيا؛ لكنه لم يُمهد له أن يحقق أهدافه، أو أن يطيحبالمقاومة الفلسطينية و يزيلها من خارطة فلسطين.

لقد سقطت الرواية الإسرائيلية منذ بداية الحرب، بل سقطت منذ الطوفان والعبور، والذي دلَّل -بلا شكّ- أنَّ الكيان ما هو إلا احتلال لبقعة جغرافية لا انتماء له فيها، ويبني ترسانةً عسكريةً وتكنولوجية شكلية،تسقط أمام قلب ثائر يعتلى الدبابة فيفجر من فيها دون وجل، أما الجيش فقاد عاد من معاركه شمالاوجنوبا إما بقتل أو رعب أو إصابة نفسية لصيقة بحياته.

📌انتصار المظلومية الغزية:

ما جرى في غزة من حرب دموية هي خطة متكاملة الأركان لتدمير المقاومة وطبخة أمريكية بإطاحة غزةحكما وسيطرة، ونية مبيتة بتهجير سكان غزة نحو سيناء ودول العالم كلجوء قسري ثانوي شبيها لنكبة1948.

انتصر الشعب بصبره وعقيدته وتجلده، انتصر في ظلِّ وجود أشرّ الخلق، وأشرس الأسلحة وأعتى القنابل،ورغم طعنِ بعض اللصوص والمليشيات وصناع الفتن وتجار المخدِّرات، صبر بهذا فكان النصر حليفه. عاد إلى مكانه بعد نزوحه، عاد إلى الخيام بعدما كان في المباني ورضي بذلك، عاد في اللحظات الأولى منإعلان إيقاف الحرب إلى وطنه فلسطين وليس سيناء، فكان هو أحد أدوات النصر بيد المقاومةالفلسطينية!.

معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية

حمادة علوان،كاتب ثقافي

By adam