لا أعلم أهي آمال تخالجني أم حقائق موضوعية فرضت نفسها !!

منذ أن انتزع السادات من مصر دورها الطبيعي في الصراع العربي الصهيوني بنيت نظرية أمنية مصرية معنية بحفظ الأمن القومي المصري فقط وترك مسؤولية الأمن القومي العربي للجيش الأول في مصر وهو الجيش العربي السوري وسوريا ككل ، فوجود سوريا قوية ومعافاة عزز النظرية الأمنية المصرية طوال العقود الماضية ، فسوريا ومنذ أن انتزع السادات دور مصر في الصراع العربي الصهيوني بدأت بمحاولة سد الفراغ الّذي تركته مصر في الأمن القومي العربي فحاولت إنجاز وحدة عربية مع العراق وكادت الوحدة أن تتم لولا انقلاب صدام حسين على الرئيس احمد حسن البكر وإجهاضه مشروع الوحدة ، وهنا التفتت سوريا إلى الثورة الإسلامية في إيران وساعدتها وساندتها وساهمت بتطوير برنامجها الصاروخي ودربت رجال الحرس الثوري بل حتى أنه لا مبالغة إذا قلنا بأن سوريا هي الأب الروحي للثورة الإيرانية ! وبالفعل ومن خلال وجود إيران كعمق استراتيجي لسوريا تمكنت الأخيرة من بناء توازن عسكري بين الكيان الصهيوني وكل حركات المقاومة في فلسطين ولبنان بمواقع دفاعية ثابتة لا يسهُل تجاوزها على أي من الأطراف ، وكل ذلك ساهم بتعزيز الرؤية الأمنية المصرية ، فلا وجود لما يمس ( الأمن القومي المصري ) ما دامت سوريا موجودة ولا وجود للتهجير الّذي يمس ( الأمن القومي المصري ) ما دامت حركات المقاومة موجودة ومرعية من دول كبيرة مثل سوريا وإيران .

مع بدء الربيع العبري وبعد سقوط ليبيا الّتي كانت تمثل لمصر حدود غربية آمنة ومريحة ودولة صديقة بدأت تركيا تجمع مرتزقتها وتحشدهم في ليبيا وعندما استشعرت المؤسسة الأمنية في مصر خطورة ما يجري في ليبيا على أمن مصر خرج الرئيس السيسي متحدثا باسم مصر ومخاطبا دولة عضو في حلف الناتو هي تركيا وبلغة ملؤها الحزم والشدة وقال ( خط سرت الجفرة ده بالنسبة إلنا خط أحمر وتجاوزه يعني الحرب ) وبالفعل ارتدع العدو التركي ومرتزقته من التهديد المصري ولم يتجاوزوا الخط الأحمر الّذي فرضته مصر لغاية اليوم ، سُقت هذا المثال لكي أقول من خلاله بأن الواقع المتغير في حدود مصر الغربية فرض عليها أن تغير أو حتى تبتدع نظرية أمنية تضمن من خلالها أمنها القومي فمع وجود ليبيا الشهيد معمر القذافي لم يكن هناك حاجة لنظرية أمنية للحدود الغربية حتى ، ولكن مع وجود تركيا ومرتزقتها وِجدَت الحاجة لها فتكونت وأُنجزت ورَدَعَت .

اليوم وبعد الربيع العبري وبعد الطوفان المبارك وبعد سقوط الدولة السورية وبعد الضربات المؤلمة الّتي تعرضت لها المقاومة اللبنانية وفرضت عليها الإنسحاب إلى ما وراء الليطاني وبعد اختلال ميزان الردع بشكل كامل لصالح الكيان ومع بدء الكيان بمحاولة تنفيذ أحلامه وخيالاته بتصفية القضية الفلسطينة من خلال تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن في نقطة يتقاطع فيها الأمن القومي المصري مع الأمن القومي العربي ، ألا يمكن أن نشاهد مصر تكشر عن أنيابها وتدافع عن أمنها القومي الّذي هو أمن كل بلاد الشام كما فعلت في ليبيا مثلا ؟ ألا توجد بوادر يمكن من خلالها القول بأن مصر فعلا بدأت تكشر عن أنيابها منها مثلا بأن الرئيس السيسي رفض مقابلة ترامب إذا كان موضوع التهجير مدرجاً على جدول الأعمال ، أو كلمة الرئيس المصري في القمة العربية الأخيرة الّتي قال فيها ( بأن الأمن في المنطقة لن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية ولو طبعت كل الدول العربية ) بجملة أغلب الظن بأنها كانت رداً على تصريح ترامب الذّي قال فيه بأن هناك دول عربية ستنضم إلى اتفاقيات أبراهام ( يقصد سوريا الجولاني والسعودية ) .

لا أعلم أهذا تحليل علمي حقيقي أم آمال في نفسي نجحت بأن تمنطق نفسها !

هاشم الخالدي