بغضّ النّظر عن المخرج، فسيناريوهات إستعباد الإنسان لا تختلف على ركح العولمة. والهدف الجليّ، بإبقاء البشريّة في سجنها الرّقميّ، تحكمها الصّورة النّمطيّة بما يتحقّق من خلال دمج عقل الإنسان وشريحة الذّكاء الإصطناعي، ممّا يمسح ذاكرته ويقضي على فطرته بخوارزميّات الدّجل.

نحن في عصر، يقلب فيه الهاتف الذّكيّ عقل مقتنيه إلي غباء مستشري. وقد باتت سلطته مُقدّمة على سلطة الوالدين ومكانة الزّوجة وحقوق الأبناء وكُلّ من له الفضل. وبات ما يُنشر على الشّبكة العنكبوتيّة، يؤخذ كالوحي المُنزّل، ممّا يدقّ ناقوس الخطر وفي الأمر جلل يعكس سلوكيّات خلل نحملها في أنفسنا.

هيّ حقيقة لا يمكن نفيها أو التّغاضي عنها. فمعركتنا إلى حدّ الان خاسرة أمام مصنوع سُمّي بالهاتف الذّكيّ، بات خير جليس وأنيس، يُحدّث صاحبه ويُفرحه ويُبكيه ويُفسّحه ويُسلّيه ويصبّ عليه المعلومات صبًّا ويرفع تافهين ويُسقط آخرين … حتّى صارت حياة الإنسان بحثًا عن بطّاريّة أصليّة أكثر منها عن زوجة هنيّة .. أمّا داتا حياته لخزينة أسراره ومخزن أمواله وخطط مستقبله وعمله وسفره وديونه وشؤونه، فتُدار بزرّ من صندوق عجب هذا المجعار.

من تسطيح العقول، أن يُسلّم الإنسان برمجة حياته لخوارزميّات لا يعرف أصدافها ولا يُتقن أهدافها، وسط برمجة العقول وتحنيطها. وهذه سياسة متّبعة شرقا وغربا؛ بل كيف تشاء وبما تشاء مايكروسوفت ومثيلاتها، للتّحكم في رقاب العباد. وصل الأمر بالشّبكة العنكبوتيّة، أن تُقام عليها ثورات وتُنتخب بواسطتها حكومات؛ وهي القادرة على إسقاط إقتصادات ورفع بورصات لأرقام خياليّة، تفوق مغارة علي بابا وكنوز قارون مُجتمعة. وأصبح وجود الإنسان ومستقبله مرهونا بحبل وريد النّات ونشر الهاشتاك …

فالحروب والسّلام والإنتصارات والهزائم، يمكن أن تكون نتاج إشاعة كاذبة تتناقلها عقول خاوية من هذه الوسائط.

نعيش -للأسف- وسط شبكات النّات، بنتونة جهلنا حين لا نحسن التّصرّف بها كوسيلة للتّطوّر المعرفي. فأغلب مشتركيها من عالمنا العربي، إمّا بطور رياضة رعناء أو موسيقى هوجاء أو بحثا عن العنقاء. زمن هذه النّتونة، يديره صانعو محتوى الرّداءة ويتربّع على منابرها يوتيوبرات السّفاهة وكل من هبّ ودبّ على التّفاهة.

حذرنا يكون عظيم من أعور دجال يقلب الحق باطلا والباطل حقا. وكل الحذر ممن دخل البيوت دون إذن وممن جعل من الإنسان وعاء للنفايات، دون مراقبة السقطات، حتى اصبحت وسيلة يقذف بها الابرياء ويقتل بها الشهداء. وكل الحذر ممن يهتك به الحرمات ويكشف العورات دون مراعاة للمحرمات. وشديد الحذر من سلاح يستخدمه عدوك للفتك بك دون معرفتك. وعظيم الحذر من ان تقع في غي الجاهلين وتتصور أنك من المصلحين.

كلّ يرى لنفسه وصلا بما صرنا نسمّيه «الذكاء الاصطناعي» في حين أنّ كلّ خطوة نحو هذا «الذكاء» بمنطق الاستهلاك كما كان حالنا مع مجمل منتجات الغرب التكنولوجيّة، تجعلنا نتراجع خطوة نحو «الغباء الطبيعي» الذي هو عبارة عن فراغ الوعي من الأخلاق الحميدة والفطرة السليمة والمنطق الحسن، لنصير من المدمنين على أنماط التفكير المستهلك.
حسن فضلاوي