أظهرت تصريحات رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو حول الأطماع التوسعية الصهيونية المتمثلة بالسعي الى تحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى”، أظهرت مجدّداً أنّ الخطر الصهيوني على لبنان إنما هو خطر وجودي، وانّ تجاهل مثل الخطر من قبل بعض الساسة، انما هو كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال، على حدّ قول الوزير اللبناني الأسبق موريس الجميل. فما أعلنه نتنياهو عن مطامع إسرائيلية باحتلال لبنان، ليس بالأمر المستغرب ولا هو بالأمر الجديد بالنسبة للمشروع الصهيوني التوسعي في الأرض العربية، يتجاوز بكثير أرض فلسطين التاريخية.. فقد حذر من هذا الخطر في وقت مبكر، في نهاية خمسينيات القرن الماضي، الوزير الأسبق موريس الجميل في كرّاس له تحت عنوان “مطامع إسرائيل وسياسة النعامة”.
لم يُعرف الوزير موريس الجميّل بكونه سياسياً عادياً، بل كان مفكراً استراتيجياً يمتلك رؤية ثاقبة للمخاطر التي تحيط بلبنان، لا سيما الخطر الصهيوني. وقد عبّر عن هذه الرؤية في العديد من المحاضرات والدراسات، كان أبرزها الكرّاس الذي حمل عنوان “مطامع إسرائيل وسياسة النعامة”.
ماذا قال موريس الجميّل عن الخطر الصهيوني على لبنان؟
أولاً، خطر اقتصادي واستراتيجي: لم يقتصر الخطر الصهيوني بنظر الجميّل على الجانب العسكري فقط، بل كان يرى أنّ جوهره هو خطر اقتصادي واستراتيجي يهدف إلى تحويل “إسرائيل” إلى “محطة عالمية لمفترق الطرق، ومستودع لتلقّي البضائع وتوزيعها” في المنطقة. وقد استشهد في كرّاسه بقرارات المؤتمر الصهيوني الرأسمالي العالمي الذي عُقد في القدس سنة 1947، والذي ارتأى أن “يقرّ ضرورة تحمُّل عجز ميزانية دولة إسرائيل، إلى أن تصبح هذه البلاد مُجهَّزة، بحيث تستطيع القيام بدورها” الاقتصادي والتجاري المهيمن.
ثانياً، أطماع في المياه والأرض: تحدث الجميّل عن الأطماع الإسرائيلية في مياه لبنان، وخاصة نهر الليطاني، وفي أرضه. ورأى أنّ “إسرائيل” تسعى إلى سرقة هذه الموارد الحيوية، وحذّر من التجهيزات التقنية التي تقوم بها لتحقيق هذا الغرض.
ثالثاً، “سياسة النعامة”: أشار الجميّل إلى “سياسة النعامة” التي تتبعها بعض الأطراف اللبنانية في تجاهل أو التغاضي عن هذه الأطماع، ما يجعل لبنان عرضة للاستغلال والخطر. ورأى أنّ هذا التجاهل يُعدّ “أمراً مستغرباً مستهجناً لما فيه من الحساسية والخطورة على الصعيد الوطني والأمني”.
رابعاً، الخطر الوجودي: اعتبر الجميّل أنّ الخطر الصهيوني هو خطر وجودي على لبنان، وأنّ مواجهته تتطلب من جميع اللبنانيين، بجميع فئاتهم، أن “تتنظم طاقاتهم في إطار برنامج يوفّر مستلزمات الصمود، ويخوض معركة التحرير بأفق التحرير الشامل”.
باختصار، يمكن تلخيص رؤية موريس الجميّل للخطر الصهيوني على أنه خطر شامل يجمع بين الأطماع الاقتصادية والاستراتيجية، ومطامع المياه والأرض، ويتمّ تجاهله من قبل بعض الأطراف اللبنانية، كما يحصل هذه الأيام، مما يضع لبنان في خطر وجودي يستدعي يقظة وطنية شاملة لمواجهته.. والعمل على تعزيز مكامن القوة المتوافرة للتصدي له، وخصوصاً معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي حرّرت الأرض في عام 2000، وأحبطت أهداف العدوان الصهيوني عام 2006.. فهذه المعادلة التي تشكل رأسمال وطني كبير يجب تعزيزها والتمسك بها أكثر من ايّ وقت مضى، وعدم التفريط بايّ من عناصرها.. فهذه المعادلة هي أساس أيّ استراتيجية للأمن الوطني.. استكمال تحرير الأرض المحتلة ومجابهة العدوان وحماية لبنان من الخطر الصهيوني والأطماع الإسرائيلية في ثرواته وأرضه…
حسن حردان