كتب ناصر قنديل:
دولة الرئيس ترجم حبك للطائف
الجمعة   2025/08/15

كلما دق الكوز بالجرّة وأراد رئيس الحكومة امتلاك حجة متينة في حماسته لنزع سلاح المقاومة يستحضر اتفاق الطائف، باعتبار أن الاستقواء بخطاب القسم والبيان الوزاري هو استناد إلى مواقف ظرفية يرتبط وجودها بمدة بقاء أصحابها في الحكم، باعتبارها وعوداً يطلقها أصحابها وتلزمهم دون أن تلزم اللبنانيين، وفي خطابات رؤساء آخرين التزامات أخرى وربما معاكسة، ومثلها البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، بينما الاستناد إلى اتفاق الطائف هو عودة إلى المرجعية السياسية لإعادة بناء الدولة بعد الحرب الأهليّة، ولذلك لا بدّ كي تستقيم مناقشة مواقف رئيس الحكومة العودة إلى اتفاق الطائف.
في بند سيادة الدولة واتفاق الطائف، ومنه فقرة بسط سلطة الدولة وسيادتها بقواها الذاتيّة، يستعير رئيس الحكومة نصاً مجتزأ وفرعياً ويتجاهل عمداً موجبات شرطيّة لنفاده، فقد نصّ اتفاق الطائف على تهيئة الجيش بما يلزم من إعداد وتدريب وتجهيزه لكي يصبح قادراً على تحمل مسؤولياته الوطنية في الدفاع عن لبنان في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. وحكومة الرئيس سلام لم تكلف نفسها عناء البحث بهذا العنوان بل إن فلسفة الحكومة ورئيسها تناقض نص الطائف برفضها اعتبار قوة الجيش شيئاً مطلوباً للدفاع عن لبنان، وهي تنظر لكل عنصر قوة حتى لو كان بيد الجيش وليس بيد المقاومة كعنصر استفزاز لـ”إسرائيل” لا حاجة له، بل هو عبء على استراتيجية البكاء الدبلوماسي التي تنتهجها الحكومة، ولو أن هذه الاستراتيجية لم تنتج شيئاً إلا بقاء الاحتلال واستمرار العدوان والمزيد من الذل والهوان.
اتفق اللبنانيون في الطائف وكتبوا بشكل واضح أن إلغاء الطائفية هدف وطنيّ، ومَن يقرأ نصوص الطائف يستنتج بسرعة أن مكانة إلغاء الطائفية تتقدّم كثيراً على مكانة أي بند آخر من بنود الطائف، وفيها استحقاقات لها مفاعيل دستورية فورية تجاهلتها حكومة سلام كمثل سابقاتها، رغم تضمينها خطاب القسم ومحاضرات سلام قبل أن يصبح رئيساً للحكومة، خصوصاً ما ورد في المادة 95 والمادة 22 من الدستور، لجهة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وانتخاب مجلس للشيوخ، وإلغاء فوري لطائفية الوظيفة في كل الفئات الوظيفية باستثناء وظائف الفئة الأولى حيث يكتفى بتحقيق المناصفة بين المسلمين والمسيحيين بشرط عدم تخصيص طائفة بوظيفة، ويبقى الأهم عملاً بقول رئيس الحكومة بأن لا قيمة لأي قرار مبدئي بلا جدول زمني، هو وضع جدول زمني لتنفيذ هذه الفقرات ضمن برنامج شامل ينتهي بموعد إلغاء الطائفية بصورة شاملة ودخول دولة المواطنة، من دون أي تلوّث طائفي في تركيبة الدولة ومناصبها السيادية، بما فيها الرئاسات.
السعودية كراعٍ لاتفاق الطائف تواصل التأكيد على تطبيقه كاملاً، ومعها يتحدث كثير من اللبنانيين عن هذا التطبيق الكامل وفيه اللامركزية الموسعة، ومن حق هؤلاء أن يطلبوا أيضاً جدولاً زمنياً وبرنامجاً تنفيذياً لتحقيق هذه اللامركزية باعتبارها من نصوص اتفاق الطائف، ولذلك فإن الراعي السعودي مطالب برعاية تشاور مع القيادات الرسمية والروحية لوضع تصور تنفيذي مع جدول زمني مقترح، لإنجاز تنفيذ البنود العالقة من اتفاق الطائف، بعدما كان التساهل مع سلاح المقاومة والوجود السوريّ يُقدَّم كسبب للتساهل مع عدم تنفيذ البنود الأخرى باعتبار لبنان بلد المقايضات والمحاصصات، أما وأن السعودية تبارك توجّه الحكومة لجدولة زمنية لإنهاء سلاح المقاومة، وطالما أن الوجود العسكري السوري قد انتهى منذ زمن، بل إن النظام نفسه قد انتهى، فقد صار وضع جدول زمني لإنهاء السلاح مشروطاً بجدول زمني مواز ومتزامن ومتوازن لإنجاز ما تبقى من اتفاق الطائف، باعتباره طلبات متبادلة من الطوائف، وقد سمعنا الكثير إنْ عن السلاح المقاوم رغم إنجازاته الوطنية يشكل عامل تثقيل طائفي في الحياة الوطنية لطائفة دون سائر الطوائف ما يبرّر التريث بالسير في بنود مثل إلغاء الهوية الطائفية لوظائف الفئة الأولى أو السير بقانون انتخاب خارج القيد الطائفي، حيث ينظر للصيغة الطائفية كضمانات بنظر بعض الطوائف.
إن هذا التقابل يصلح للعكس حيث إنهاء السلاح وما ينظر اليه أصحابه كقيمة وطنية، يجب أن يقابله إنجاز وطنيّ بحجم إلغاء الطائفية، ونزعه بما يمثل كضمانة لطائفة يجب أن تقابله ضمانات بديلة تبدأ ببناء جيش قوي يحمي ويدافع، وضمانات طائفية الأحجام والأدوار في بنية الدولة، مدخله إلغاء الطائفية وفق جدول زمني يسير جنباً إلى جنب مع جدول إقفال ملف السلاح خطوة مقابل خطوة.

تكملة …

إن المعادلة التي يمكن بناؤها على أرضية اتفاق الطائف، هي ببساطة، الحسم الكامل للسلاح مقابل الإلغاء الكامل للطائفية، والحسم الفوريّ للسلاح مقابل الإلغاء الفوري للطائفية، ونصف إلغاء للطائفية يقابله نصف حسم أمر السلاح، وخطة عشرين سنة لإلغاء الطائفية تقابلها خطة عشرين سنة لحسم السلاح، توازيها خطة لبناء الجيش وتسليحه.

تعالوا لكلمة سواء إن كنتم صادقين.