لا شيء عشوائياً في الضربات الأمريكية على اليمن، ولا في التصعيد “الإسرائيلي” المستمر على غزة. كل ما يجري هو جزءٌ من مشروعٍ واضح: فرض معادلات جديدة على محور المقاومة، ومحاولة تحجيم قدرته على المبادرة. ليست المسألة مجرد ردود فعلٍ متفرقة، بل هي سياسة ممنهجة تهدف إلى إنهاك القوى الفاعلة وإجبارها على التراجع أو الانكفاء.
لكن الواقع أثبت أن حسابات واشنطن و “تل أبيب” ليست دائماً دقيقة. فالمقاومة، بكل ساحاتها، لا تزال قادرة على قلب الطاولة، ليس فقط بالصمود، بل بفرض وقائع تجعل الكلفة على العدو أكبر من أيّ مكاسب ممكنة. وهنا، يتجلى جوهر الصراع: بين مشروعٍ قائمٍ على القوة والاستعمار، ومشروع لا يملك ترفَ الهزيمة، لأن هزيمته تعني شطبه من المعادلة بالكامل.
غزة: حرب النفَس الطويل
لم تكن الحرب “الإسرائيلية” على غزة منذ السابع من أكتوبر إلا محاولةً لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني وفق معايير الاحتلال. كانت الفكرة الأساسية هي كسر المقاومة عبر الضغط العسكري والاقتصادي، ودفعها نحو خيارات ضيِّقة تنتهي إما باستسلام سياسي أو انهيار عسكري.
لكن كل يوم يمرّ في هذه الحرب يُثبت أن الرهان “الإسرائيلي” فشل، أو على الأقل لم يصل إلى النتائج التي كان يرجوها. فالمقاومة لم تتوقف عن القتال، ولم تفقد قدرتها على المبادرة، رغم شراسة الهجمة وكثافة التدمير. والأهم، أن “إسرائيل” لم تستطع تحييد غزة عن معادلة الاشتباك، بل وجدت نفسها غارقة في استنزاف طويل قد يمتدُّ لسنوات.
اليمن: قلب الطاولة على الهيمنة الأمريكية
التصعيد الأمريكي في اليمن ليس سوى اعترافٍ ضمني بحجم المأزق الذي تواجهه واشنطن في البحر الأحمر. لم تكن الإدارة الأمريكية تتوقع أن يتمكن اليمن من تحويل هذا الممر الحيوي إلى ساحة استنزاف فعلية، لا تطال فقط “إسرائيل” بل كل منظومة الملاحة الغربية.
الهجمات الأمريكية، رغم قوتها، لم تؤثر على قدرة صنعاء على فرض قواعد اشتباك جديدة. لا يزال البحر الأحمر منطقة غير آمنة، ولا تزال واشنطن و”تل أبيب” في موقع المتلقي، عاجزتان عن تقديم حلول سوى المزيد من التصعيد، الذي قد ينتهي بانفجارٍ أكبر مما تحتمله حساباتهما.
ما بعد التصعيد: إلى أين تتجه المواجهة؟
محور المقاومة اليوم أمام مسارين لا ثالث لهما: إما القبول بمعادلات العدو، أو الذهاب نحو تصعيد محسوب يُعيد فرض التوازنات. تجربة السنوات الماضية أكدت أن أي محاولة لاحتواء المواجهة دون كسر مشروع الاحتلال تنتهي إلى المزيد من التنازلات، وهو أمر غير مطروح على الإطلاق.
الخيارات واضحة، والاتجاهات مرسومة مسبقاً. المقاومة ليست في موقع الباحث عن تسويات، بل في موقع الفرض، حتى لو كان الثمن باهظاً. وهذه الحقيقة، تحديداً، هي ما يجعل المعركة مفتوحة، بلا سقف زمني، وبلا حدود واضحة للنتائج.
بقلم خالد دراوشه