واحد من أهم أركان الفكر الإسلامي هو الاعتراف بالقصور الإنساني ، وأن تلك الرحلة العمريّة الإنسانية مفعمة بالقتال الصارم للنواقص في الذات الإنسانية ، حتى ترتقي بهذه الذات الى مراتب تؤهلها لخلافة الله في الأرض … ” يا بني آدم إنك كادح إلى ربّك كدحًا فملاقيه …” ، فهذا الوجود المادي المترتّب على الخلق هو بالطبيعة وجود قابض ينحو بالفطرة نحو الاكتناز والتكدّس ، وديدن الاسلام لهذا الوجود المادي ، هو الانسجام ميكانيكيّاً مع الانبثاقة الكونية المذكورة في رائعة الفتق والرّتق قرآنيًا ، والانفجار الكبير The Big Bang في نظريات الوجود العلمية الإنسانية ، والهدف الرباني فيما أرى هو الحد من غلواء تكدّس المادة ، بل ان الهدف من التواجد المادي للإنسان في مرحلة الحياة الدنيا هو خلق ذات موضوعية بقيادة العقل والفطرة الإنسانية في جانبها الخيّر حتى تأتي اللحظة الحرجة حينما يقذف بكلا الوجودين ، المادي والموضوعي للإنسان في اتجاهين متعارضين ، أحدهما إلى باطن الأرض ، والآخر بعيدًا عن المركز الى البرزخ ثم الحساب ، ثم الحياة الأخرى الخالدة ، إذ أن الزمن والمادة نقيضان يلغي احدهما الآخر ويترتّب على الزوال المادي خلود موضوعي … أما في الخزعبلات الغربية ، وما يدعى ببعض الفلسفات الشعبوية العشوائية الضحلة ، فإن قتال الذات هو مكرهة ومضيعة للطاقة والوقت ، والأولى هو الانصياع الكلّي للذات القابضة اللاهية العابثة … فأنت كما أنت ، وليس كما يجب ان تكون … يحضرني هذا مرة أخرى وأنا ألحظ في أولمبياد باريس ، عاصمة النور والجمال ، الكيفية التي تتعامل بها المنظومة الثقافية الفكرية مع حالتين … حالة المثليين … ثمّ حالة الرياضيات المحجبات … قبول كلّي وترحيب واحتفائيةً مع الوجود المثلي … ونقض ورفض للقبول بظاهرة التحجب في عالم الرياضة … المثلية هي إحدى حالات القصور الانساني الشاذ ، وهي ليست جينية ، بل هي نقيصة تستدعي قتالها وعدم القبول بها من دون معركة في داخل الذات ، وطوبى لأولئك المنتصرين في هذه المعركة الأخلاقية … أما مسألة الرياضيات المتحجبات ، فيبدو أننا عشنا رجباً ، لنرى عجبًا … فيصبح التعرّي وإظهار المفاتن على الملأ فضيلةً ومدعاةً للإفتخار ، ويصبح التحشّم والتمنّع عن إظهار التكوّرات الجسدية المفتنة والمستدعية للغريزية والرغائبية الى كل العامة ، رذيلة ونقيصة يعاقب عليها الانسان … فوضى وعشوائية وشعوبية مارقة ، هي بمثابة انهيار جذبي للمادة ، يترتب عليها في باريس ثقوب سوداء تدبّ على قدمين … والعاقبة ستبقى لكلمة الله في الأرض ، وليس لتهافت المتهافتين .
سميح التايه