لا شرقية ولا غربية

مع كل محطة مفصلية للسياسة الخارجية الايرانية او الداخلية، يكثر سجال اللا شرقية ولا غربية، داخل منظومة الحكم في طهران. يرجع هذا اما لاختلاف الاراء، او لتضارب المصالح، او لجهل بصوابية النظرية.

منذ البداية الصراع مع الغرب، لم تقايض ايران على ما تعتبره قرارات سيادية، سواء في الحقوق النووية، او بالتخلي عن سياستهافي المنطقة. رغم مخاتلة الغرب بضم ملفات المنطقة في المفاوضات النووية الاولى رفضت حينها طهران هذا العرض.

ما يحصل هذه الايام، من تقارب روسي ايراني وظهور وزير الخارجية الاسبق جواد ظريف ليطلق تصريحات يأتي ضمن هذه التجذبات، اعاد فيها ظريف اتهام روسيا بأنها من اقتراحت بند (آلية الزناد) التي تسمح باعادة فرض العقـوبات على ايران، ليطرح نقاط استفهام عديدة.

محمد جواد ظريف، يمثل توجهات التيار الاصلاحي.وهو ليبرالي مقتنع بالتجربة الغربية. يرى هذا التيار ان العلاقات الدولية، مصلحية اقتصادية بحتة، تديرها براغماتية الحاجة ولا يوجد عائق أن تكون لإيران علاقة مع الدول الغربية، إذا كانت المصلحة الوطنية هي الشاخص والمعيار لتلك العلاقة.

في السياق نفسه وباستهجان، جاء ردّ وزير الخارجية الروسي لافروف. الذي سارع الى تكـذيب رواية ظريف، مؤكدا ان الاقتراح المتعلق (بآلية الزناد) كان من توليفة الوفد الايراني، الذي برّرها حينها، ان لا ضرر فيها وطهران ستلتزم بالاتفاقية.

ضمن نفس السجال تكلم علي أكبر صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الايرانية، ليؤكد ان روسيا حذرت ايران منذ البداية، من خطورة هذا البند وانها ستستخدم مستقبلا ضدها وهذا ما حدث بالفعل بعد انسحاب امريكا من الاتفاق وعودة العقـوبات، بالتالي تشديد الحصار الاقتصادي وبهذا كشف حقيقة ادعاء جواد ظريف.

في الداخل الايراني أثارت تصريحات الوزير السابق، صدمة في أوساط النخبة السياسية والاعلامية وانعكس هذا جليا عبر الفضائيات وصفحات الاعلام والمتابعين حتى وصل صداها الى خارج الحدود، لحساسية الملف الايراني.

قبل هذه التصريحات كانت تلميحات روحاني للانكفاء على الداخل الايراني والتوقف عن دعم حركات التحرر، تبعه الكروبي وقبل الايام، نطق ناطق نوري رئيس المجلس الشورى السابق، الذي كان يحسب على خط المحافظين بمواقف تظهر انقلابه عن مواقفه السابقة بشكل مثير.مما يكشف ان حملة منظمة تدار من هذا الخط داخليا.

بعدالحرب الاخيرة وعمليات التصفية للقيادات، كشف ان اكثر من ثلاثي من تم استهدافهم. كان على يدي عملاء الداخل .بعد ان تم توقيف اكثر من عشرين الف عميل، ليتبين ان اغلبهم تم تجنيدهم زمن حكم الاصلاحيين.

هل من صدفة بعد صدور التحقيقات ان يرفع خط الاصلاحيين، من وتيرة التجاذبات، حول سياسة الحكومة الايرانية وتحالفاتها الجديدة، مع روسيا والصين ؟في توقيت بالغ الحساسية، يجتاح فيه الوضع الداخلي لالتفاف شعبي حول قيادته، فتح هذا الباب ولا تعرف الاهداف.

هل تعمل هذه الاطراف على خلط الاوراق الداخلية من جديد في محاولة لاعادة فسيفساء ما قبل الحرب؟ في محاولة لاعادة اجواء ما قبل الحرب التي تغيرت بعدها بشكل ملفت. ام هو لتبرئة نفسها من الاخفاقات السابقة؟ وقطع طريق فتح ملفات كبرى لمحاسبة المقصرين بما حصل ؟بعد ان اصبح غلبية الشعب يحمّل مسوؤلية الاخفاقات لخط الاصلاحيين الذي تداول على الحكم من زمن خاتمي الى روحاني.

في البعد التوقيتي صدور هذه التصريحات في لحظة تشهد فيها العلاقات الايرانية الروسية نموا استثنائيا. على المستويات الدفاعية والطاقة والنقل يثير اكثر من علامة استفهام. تخرج هذه المواقف النشاز الان، في اللحظة الايرانية الراهنة. بدخول مرحلة ما بعد العـقوبات، الذي تحتاج فيه ايران الى وحدة الصف وقدرات علمية هائلة وامكانيات عسكرية متطورة وحلول اقتصادية بديلة.

بينما وجه قائد الثورة الاسلامية السيد الخامنئي رسالة خاصة الى الرئيس الروسي بوتين لا يُعرف فحواها. سيجد هؤلاء انفسهم امام استحقاقات جديدة، ستفرض نفسها، بواقع الظروف الاقليمية الجديدة ، سواء بالمواجهة او بالرجوع لاتفاقية نووية ثانية تراعي مصالح طهران السيادية والاستراتيجية.

قامت إيران وروسيا والصين بتوجيه رسالة مشتركة، إلى مجلس الأمن الدولي لإعلان اعترافهم بانتهاء القرار 2231. وأكدت فيها طهران أن روسيا والصين و121 دولة أخرى من دول حركة عدم الانحياز يصرون على أن العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث فرضها عبر ما يسمى بآلية “السناب باك” لا تمتلك أي شرعية قانونية، ولا يُلزم أعضاء الأمم المتحدة بتطبيقها ويبدو ان الازمة ستكبر في المحافل الدولية وستطرح اشكالية الشرعيات والقوانين الدولية وتجاوزاتها ومصداقية هذه المؤسسات .

هذا القرار سيمنح إيران مساحة للمناورة النووية، دون متابعة سياسية مباشرة من مجلس الأمن.بعد ان أصبحت رسمياً خارج أي التزام قانوني دولي بشأن الملف النووي، دون أن تعلن انسحابها الكامل من JCPOA.

في نفس السياق إيران تحصن نفسها قانونياً وتحشد الدعم الدولي تحسبًا لأي مواجهة قادمة، سواء دبلوماسية أو عسكرية. هذه الرسالة تعتبر تغيير في قواعد الاشتباك بين إيران والغرب، خصوصًا بعد الضربات الأخيرة وتهديدات ترامب المتكررة.

تبقى اللا شرقية ولا غربية حملها ثقيل على الليبراليين والاصلاحيين والقوميين والمحافظين والمتأسلمين ومن يسعى للحكم دون مراعات للضوابط الشرعية والرؤية الاستشرافية للاستراتيجيات الممكنة.
حسن فضلاوي