لطالما ربطت الولايات المتحدة و”إسرائيل” مشروع تمدّدهما في الشرق الأوسط بما يسمّى “المشروع الإبراهيمي”، كغطاء للتوسع تحت شعار “سلام الأديان”. ولكن الحقيقة أن هذا المشروع يحمل أخطر أبعاده الوجودية اليوم، بعدما واجهته مقاومة عربية وإسلامية متصاعدة.

لقد اعتادت “إسرائيل” التفاخر بقوتها العسكرية، وأنّها قادرة على حسم أي معركة بسرعة وبدون خسائر كبيرة، مستندةً إلى سجل حروبها السابقة. لكن الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر، والتي دخلت عامها الثالث تقريبًا، نسفت هذا الشعار تمامًا. ليس لأنّ “إسرائيل” باتت أضعف، بل لأنّ جبهة المقاومة تطوّرت خلال العقود الأربعة الماضية، من إيران إلى اليمن، ومن لبنان إلى العراق، ومرورًا بغزة التي تحوّلت إلى قلعة حقيقية للتصنيع العسكري والمقاومة الذكية.

التحوّل من “ردع” إلى “وجود”

“إسرائيل” اليوم في مواجهة تهديد وجودي حقيقي، لأنّ الطرف المقابل – أي محور المقاومة – لم يعد يعتبر هذه المعركة جولة تكتيكية بل حرب مصيرية، عنوانها: إما النصر أو الفناء. وهكذا، تحوّلت الحرب إلى حرب شاملة، حتى وإن اتخذت طابع الاستنزاف حتى اللحظة، بانتظار الجاهزية على كافة الجبهات.

من الذي انتصر حتى الآن؟

التحوّل الأبرز لا يحصل فقط في الميدان العسكري، بل في وعي الشعوب والمجتمعات:

• الرأي العام العالمي: غزة انتصرت أخلاقيًا. منظمات، شعوب، ومواقف سياسية بدأت تتغير، حتى في الولايات المتحدة. تصريحات ترامب الأخيرة مثال واضح على التراجع داخل الكونغرس نفسه.

• الجبهة الداخلية الإسرائيلية: أكثر من 85% من الإسرائيليين الآن يريدون إنهاء الحرب، بعد أن كانوا مؤيدين لها بأغلبية ساحقة في بدايتها.

• لبنان: رغم كل الحملات الإعلامية لشيطنة المقاومة، أكثر من 60% من الشعب يؤيد بقاء السلاح، و75% لا يرونه المشكلة الأساسية في البلد.

• اليمن: مظاهرات أسبوعية تُثبت أن دعم غزة ليس عاطفيًا بل استراتيجيًا في وجدان اليمنيين.

• إيران: بعد الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها، توحّدت الجبهة الداخلية، وزادت الثقة في نهج الردّ والمواجهة.

• غزة نفسها: رغم المجازر والتدمير، باتت القناعة راسخة أن المقاومة هي الجهة الوحيدة القادرة على حماية الناس، وزادت شعبيتها بشكل لافت.

إسرائيل تستنزف ببطء

الجيش الإسرائيلي أنهك، الدعم العالمي يتراجع، الخلافات السياسية تعصف بالحكومة، والمجتمع فقد ثقته بقياداته. هذا كله يحدث في ظل تأجيل أو تهدئة الجبهات الأخرى. لكن، إلى متى؟

هل اقتربت “الضربة القاضية”؟

هل تتوحد الجبهات فجأة في توقيت واحد؟ هل تحصل الضربة الكبرى قريبًا؟ أم أننا أمام استمرارٍ للاستنزاف حتى السقوط التام؟

كل الاحتمالات واردة. لكن المؤكد أن الحرب الكبرى قد بدأت فعليًا، وأن العالم على أبواب تغيير استراتيجي شامل في بنية المنطقة وخرائطها.

كل ذلك، فقط… لأن غزة قررت أن تصمد.

محمد علي – لبنان

By adam