في ظلِّ تصاعد التوترات في غرب آسيا بعد السابع من أكتوبر و التي انطلقت من غزة، تشهد منطقة غرب آسيا تغيرات دراماتيكية تعيد تشكيل المشهد الإقليمي بشكل جذري، فمن الواضح أن الكيان الصهيوني يحاول إعادة ترميم ردعه و تعزيز أمنه من خلال ممارساته العدوانية ضد المدنيين ، و حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة ، و سياسة الاغتيالات ، يتصدى له بقوة كبيرة محور المقاومة، و في هذا السياق، من المهم تحليل الوضع و فهم ديناميكيات الصراع.
في الفترة الأخيرة شهدنا تصعيداً كبيراً في هجمات الكيان الصهيوني ، حيث قام الكيان بارتكاب العديد من المجازر بحق المدنيين في غزة و مهاجمة ميناء الحديدة و محطات الكهرباء في اليمن و قيامه باغتيال القائد إسماعيل هنية مدير المكتب السياسي لحركة حماس في طهران ، و القائد في حزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية بالتزامن مع هجوم أميركي على مواقع تابعة للمقاومة العراقية في جرف الصخر ، و قد اعتقد الكيان و الأميركي أن هذا التصعيد وسيلة للضعط على محور المقاومة و إضعاف المعنويات و عرقلة التنسيق بين جبهاته.
على الرغم من محاولات الكيان الصهيوني، إلا ان محور المقاومة أثبت قوته و صلابته في مواجهة هذه التحديات، فإيران و حزب الله و قوى المقاومة في اليمن و العراق و فلسطين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، والردُّ آتٍ و حتمي و مؤلم ، و بدأت بوادره باستنفار صهيوني أميركي غربي للتصدي للرد الحتمي، والتصعيد في جبهة الإسناد اللبنانية، فشمال فلسطين المحتلة خالٍ و معطل، و الانهيارات في الأسواق المالية سواء في الكيان أو عالمياً كما شهدنا في الأيام السابقة، والأزمات النفسية العامة في الكيان، و ما خفي أعظم ، فإن مدينة عماد 4 الصاروخية خير مثال
الرد لن يكون رداً عابراً بل سيعكس استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تثبيت قوة محور المقاومة و رفع مستوى التحدي أمام الكيان الصهيوني و داعميه.
الصراع الحالي يعيد ترتيب القوى في المنطقة، مع تزايد الضغوط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق و سورية، بعد استئناف الضربات من المقاومة العراقية للقواعد الأميركية في العراق و سورية، بالإضافة لتحركات العشائر العربية في شرق سورية ضد قوات ( قسد)، و بوادر التقارب السوري التركي ، و تزايد الضغوط الدولية على الولايات المتحدة بسبب دعمها المباشر للكيان، بالإضافة لتزايد الضغط الداخلي على الإدارة الأميركية من قبل مؤيدي فلسطين في الشارع الأميركي و حراك الجامعات، و حملات المقاطعة، و تراجع بعض الدول عن الدعم المباشر للكيان الصهيوني، و هذا التحول يعكس إدراكاً عالمياً متزايداً لقوة محور المقاومة و قدرته على إحداث تغيرات جذرية في المنطقة.
هذه التحولات تتزامن مع تحول في مواقف بعض حلفاء واشنطن مثل تركيا ، و هذا يساهم في تعزيز موقف محور المقاومة و يضعف من موقف الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة.
في ظل الصراع الحالي قد يتجه الكيان نحو سياسات أكثر مرونة لتجنب المزيد من العزلة الدولية و زيادة الضغوط المحلية (ظاهرياً)، و مع ذلك، سيستمر بالإجرام و الاعتماد على القوة العسكرية، و هذه الاستراتيجية ستواجه مقاومة و لن تؤدي لتحقيق أي انتصار.
من جهة أخرى سيواصل محور المقاومة توسيع نطاق تأثيره و تعزيز قدراته، بما في ذلك المقاومة الفلسطينية، و التي ستعمل على تعزيز قدراتها العسكرية و الدبلوماسية، بدعم إيراني و مساندة من قوى المقاومة في المنطقة، و من مناصري فلسطين في العالم سواء كانوا دول مثل جنوب أفريقيا و البرازيل او كانوا شعوباً من أحرار العالم، مما يتيح لها تحقيق مكاسب استراتيجية و تعزيز موقفها قي الاستحقاقات القادمة.
خلاصة القول، إن محور المقاومة بفضل تصميمه و تكتيكاته و استراتيجياته، يسير نحو تحقيق انتصارات ملموسة على المدى المتوسط و الطويل، و من جهة أخرى إن الكيان الصهيوني يواجه تحديات كبرى ليحافظ على وجوده، مما يجعله يبدو بموقف دفاعي.
إن الصراع الحالي ليس مجرد معركة بين قوتين بل هو صراع طويل الأمد يؤثر على التوازن الإقليمي و الدولي و يعيد تشكيل مشهد القوة و ربما الجغرافيا السياسية في غرب آسيا.
خالد الدراوشة – الأردن