بعد انتهاء حقبة النظام السابق، تعيش سوريا مرحلة معقدة من الفوضى السياسية والأمنية، حيث أصبحت البلاد ساحة للصراعات الإقليمية والدولية. السيطرة المجزأة لقوى داخلية وخارجية على الأرض السورية تضع مستقبل البلاد في حالة من الغموض، خاصة مع تصاعد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب السوري، وتدمير مقدرات الدولة العسكرية بشكل شبه كامل، ما أدى إلى تراجع السيادة الوطنية وتعاظم التدخلات الخارجية.

تراجع السيادة وتكريس الاحتلال

  • تفكك السلطة المركزية:-
    سقوط النظام أدى إلى فراغ سياسي وأمني، ملأته قوى متعددة من فصائل مسلحة وتنظيمات متطرفة، ما أضعف قدرة الدولة على إعادة بناء مؤسساتها المركزية وتعزيز سيادتها، وقد تحتاج إلى سنين من إعادة الترميم حسب المعطيات والمؤشرات الحالية.

-التدخلات الإقليمية والدولية:-
سوريا أصبحت ميدانا مفتوحا لتنافس إقليمي ودولي. روسيا وإيران يعيدان ترتيب اوراقهم مراقبة وفحص، بينما تسيطر الولايات المتحدة على المناطق الشرقية الغنية بالنفط، في حين تتوسع تركيا شمالا ضمن خططها لتعزيز نفوذها على الحدود والسيطرة الكاملة على محافظة إدلب وحمص بإعتبارها جزء من مشروعها الإستعماري.

-التصعيد الإسرائيلي:-
إسقاط اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 وتوسيع الاحتلال الإسرائيلي ليشمل كامل جبل الشيخ والجولان السوري يعكسان نية إسرائيلية لضم هذه المناطق بشكل نهائي. يتم ذلك في ظل غياب أي مقاومة سياسية أو عسكرية حاسمة من الدولة السورية، وصمت عربي دولي مرعب وصادم،الأمر الذي يشير إلى تراجع كبير في دور الجيش السوري بسبب تدمير بنيته التحتية العسكرية خلال السنوات الماضية.

-ضعف الرد الداخلي:-
في الوقت الذي يتطلب فيه الوضع موقفا وطنيا موحدا للتصدي للاحتلال، تظهر أصوات مثل “أحمد الشرع” التي تدعو الشعب للاحتفال، مما يعكس منهجية لا تعادي الاحتلال الصهيو-أمريكي، بل تبدو وكأنها تتماهى مع سياسات تجزئة البلاد وإضعافها. والمخيف من هذه التداعيات دعوة نشىت على صحيفة “يدعوت أحرنوت” تطرح فكرة إستضافة ما يسمى ب “إسرائيل” لما يسمى “أحمد الشرع” لزيارة المسجد الأقصى المبارك في فلسطين المحتلة.

المؤشرات المستقبلية: هل تتجه سوريا نحو التقسيم؟

-التقسيم الجغرافي:-
مع استمرار السيطرة المجزأة على الأراضي السورية، يبدو أن البلاد تتجه نحو فرض واقع تقسيمي، مع تبلور دويلات صغيرة مدعومة من قوى خارجية، حيث يشكل الاحتلال الإسرائيلي للجنوب عامللا أساسيا في هذا السيناريو.

-استنزاف الموارد:-
الهيمنة الخارجية على النفط والغاز في الشرق والمياه في الشمال تعزز التبعية الاقتصادية وتدمر فرص التعافي الوطني، ما يعمق أزمة السيادة.

-ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي:-
التحركات الإسرائيلية تهدف إلى استغلال الضعف السوري الراهن لفرض سيطرة نهائية على المناطق المحتلة، وتشكيل حزام أمني على حدود لبنان وصولا الى العراق ما يمثل تهديدا وجوديا للوحدة الجغرافية والسياسية لسوريا.

-هشاشة أي نظام جديد:-
في ظل التدخلات الخارجية واستمرار الانقسامات الداخلية، قد يكون أي نظام حكم مستقبلي عرضة للضغوط الدولية، ما يعوق جهوده في استعادة السيادة الوطنية وبالتالي تتحول سوريا ألى دولة مدنية وجيشها يتحول الى شرطة وستتجه كما حال باقي الدول العربية الى التطبيع مع كيان الإحتلال.

الإختبار الأكبر (لمن كان يلقي اللوم على النظام السابق) مواجهة الاحتلال ومنع التقسيم

المسار الوحيد لإنقاذ سوريا وضمان وحدتها هو تبني موقف وطني واضح يتصدى لجميع أشكال العدوان الخارجي، لا سيما الاحتلال الإسرائيلي، ورفض السياسات التي تتماهى مع تجزئة البلاد. لتحقيق ذلك، تحتاج سوريا إلى:

إعلان موقف سياسي علني وقوي
موقف وطني يرفض الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي والتركي، ويُظهر إرادة شعبية موحدة ضد أي مخططات تقسيم أو هيمنة خارجية.

إعادة بناء القدرات العسكرية
رغم تدمير المقدرات العسكرية، يجب السعي لإعادة بناء الجيش الوطني على أسس حديثة تكون قادرة على التصدي لأي تدخل خارجي، مع التركيز على دعم القدرات الدفاعية في الجنوب السوري.

تحالفات إقليمية ودولية متوازنة
تعزيز التحالف مع الدول المناهضة للتدخلات الخارجية مثل روسيا وإيران، مع العمل على كسب دعم قوى عالمية أخرى كالصين، لتحقيق توازن استراتيجي في المنطقة.

استقلال اقتصادي
استعادة السيطرة على الموارد الطبيعية وإعادة بناء الاقتصاد بما يعزز الاكتفاء الذاتي ويقلل التبعية للقوى الخارجية.

ختاما مستقبل سوريا يعتمد بشكل حاسم على قدرتها على اتخاذ موقف سياسي وعسكري واضح ضد الاحتلال الإسرائيلي والتدخلات الخارجية الأخرى. في المقابل، فإن المنهجيات التي تبرر الاحتلال أو تدعو إلى التعايش معه تقود البلاد إلى مزيد من التمزق والتجزئة. على الشعب والنخب الوطنية أن يدركوا أن وحدة سوريا وسيادتها لن تتحقق إلا بموقف حازم يرفض التقسيم ويواجه العدوان على جميع المستويات.

أحمد كمال الدين – القدس