تكثر التحليلات والتأويلات حول دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر في العدوان على إيران، وبتقديرنا فالعدوان له هدف استراتيجي واحد، إخضاع إيران وإعادة موضعتها سياسياً وجيوسياسياً واقتصادياً، عبر الموافقة على الشروط الأمريكية في الصفقة أو عبر تغيير النظام أو عبر تخريب إيران.

يأتي هذه العدوان في سياق حرب عالمية باردة وغير باردة في عدة مناطق في الكوكب، بين معسكرين رئيسيين: معسكر الهيمنة والقطب الواحد القديم، ومعسكر معادي للهيمنة الانجلو-سكسونية أو الإمبريالية ويدفع باتجاه عالم متعدد الأقطاب.

وتأتي لحظة العدوان على إيران لحظة كثيفة وشرسة وحرجة بالنسبة لعقارب ساعة الحرب المستعرة على مستقبل النظام العالمي وتوازنات القوى فيه.

السيناريوهات المحتملة لشكل وأهداف ومستوى الدخول الأمريكي المباشر في العدوان على إيران:

– توجيه ضربة قوية وبمشهد قوي، للجلوس تحت صورتها على طاولة المفاوضات مع إيران والموافقة على الشروط الإيرانية. وهذا سيناريو ضعيف، إذ أنّه يعني الإقرار بالتفوق الإيراني على نطاق الإقليم على أقل تقدير، وتراجع نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل إقليمياً وعالمياً، ولا أرى أنّ الظروف ناضجة لتسلّم الإمبراطورية الأمريكية بأنّ زمنها انتهى.

– عدم التدخل أبداً، وترك إسرائيل وحدها للتآكل والتلاشي، وبناء نهج جديد في الإقليم لضمان المصالح الأمريكية غير مستند إلى أدوار إسرائيل. وهذا سيناريو ضعيف في هذه اللحظة التاريخية، إذ أنّ أدوار إسرائيل رغم العبء الكبير ما تزال ضرورة أمريكية. وهو سيناريو محتمل جداً في المستقبل خاصة إذا خرجت إسرائيل مهزومة أو ضعيفة من لحظة الطوفان المحلي والإقليمي والعالمي الحالية.

– الدخول المباشر في حرب مع إيران (بدون سقوف أو بسقوف عالية)، ما قد يفتح الباب لدخول قوى إقليمية وعالمية أخرى في الحرب على طرفي الصراع، أي الدخول في الشكل العسكري الدموي لحرب عالمية ثالثة. هذا السيناريو يعتمد على عدد كبير من العوامل، ولا يمكن تقديره حالياً. وأعتقد أنّه سيناريو مستبعد لعدم جاهزية الولايات المتحدة له.

– الدخول المحدود في إطار الإقليم، أي الدخول بالحرب تحت سقف عدم تدخل قوى عالمية أخرى مثل روسيا والصين، وهذا سيناريو مرجح جداً، بحيث تدخل الولايات المتحدة عسكرياً في العدوان بموارد محدودة وضمن سقوف مرسومة ودقيقة لا تتيح تدخل قوى عالمياً، ولكن هذا يعني تدخل القوى الإقليمية لمناصرة إيران في لبنان والعراق واليمن، وربما غيرها!

– الدخول المحدود دون إطار، وهو كالسيناريو السابق، ولكن تساهم مجريات الحرب والعدوان في تأزيم المعركة وتوسيعها نحو دخول قوى عالمية فيها، أي – تبدأ محدودة وتفضي إلى بدون سقوف – خاصّة أنّ إيران تملك أوراقاً قادرة على دفع المعركة بشكل غير مباشر إلى بعد عالمي، مثل إغلاق مضيق هرمز بالتوازي مع إغلاق اليمن لمضيق باب المندب، الأمر الذي سيفضى إلى أزمات عالمية.

– التخريب والفوضى، أي ذهاب حلف الولايات المتحدة لتخريب وتدمير إيران ومقدراتها، باستخدام نهج شامل وبسقف أقل من حرب، يهدف النهج إلى تحويل الأمة الإيرانية لأمة هشة ومفككة وتحويل الدولة لدولة فاشلة حتى لو لم يتغيّر النظام، وذلك من خلال الفوضى الواسعة والتفجيرات الداخلية والاغتيالات والقصف الكثيف وتحريك الخون والجواسيس والنعرات الانية والعرقية والدينية والحصار الاقتصادي والعقوبات.

بالنسبة لي أرجح ذهاب الولايات المتحدة للخيار الأخير، أي تخريب إيران دون إتاحة فرصة لتتدخل قوى عالمية مثل روسيا والصين، وبالتالي تصبح العلاقة مع إيران عبئاً سياسياً واقتصادياً على حلفاءها، مما يعيق التطوّر الصيني والتوسع الروسي، ويفقدهما حليفاً استراتيجياً رئيسياً في مشروع مواجهة الهيمنة الأمريكية العالمية.

مخاطر هذا المشروع بمنظور أمريكي:

1- الفوضى قد تنقلب على صانعها، والسحر قد ينقلب على الساحر، وهو ما اختبرته الولايات المتحدة عشرات المرات سابقاً.

2- توسيع العدوان ليشمل إيران كأمّة وليس إيران كدولة، ولهذا تبعاته على المناظير القريبة والبعيدة أيضاً، وتبعاته في حدود إيران وخارج حدودها، كما أنّ شعور الأمة بأنها مستهدفة من الخارج يضعف قدرة الخطة الأمريكية على إحداث شرخ ونزاع وشقاق داخل صفوف الأمة.

3- لا يمكن التنبؤ بالعواقب والتبعات، فهي خطة تحمل درجات عالية من اللايقين بخصوص مخرجاتها. رغم هذه المخاطر، يبقى بتقديري هذا التوجّه هو الأرجح بمنظور الحلف الأمريكي، وفي هذا التوجه فإنّ اغتيال المرشد الأعلى ولحظة وشكل الاغتيال أهم من تدمير القدرات النووية.

علي حمد الله فلسطين 🇵🇸