لم يكن الرابع والعشرون من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، يوم انهمار صواريخ حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان على عاصمة الكيان الإرهابي ومدنه، مجرد يوم مجيد في حياة لبنان والأمة، وفي تاريخ الصراع العربي – الصهيوني، وفي الانتصار لأطفالنا ولأبطالنا في لبنان وغزة والضفة وعموم فلسطين فقط، بل كان رسالة متعددة الاتجاهات تنطلق من لبنان لتتكامل مع بطولات مقاومتنا في غزة فيسطران معاً، على مدى 14 شهراً، ملاحم أسطورية إذ تقاوم عين المقاومة مخرز الاحتلال وداعميه.
كما لم يكن ذلك اليوم الذي أُجبر ملايين الصهاينة الى الهروب الى الملاجئ مجرد رد على جرائم الاحتلال في لبنان، وعاصمته بيروت فقط، بل كان أيضاً رسالة لكل من عاش أوهام تراجع قدرات حزب الله بعد الضربات الموجعة التي اصابته، كما اصابت لبنان كله، خصوصاً لمن بنى احلاماً زائفة على تلك الأوهام لتوقظه ضربات الرابع والعشرين من تشرين وتقول له ان حزباً يقدم أمينه العام وقادته والالاف من شبابه وأبناء شعبه شهداء لحربه المتصاعدة ضد الاحتلال لا بد ان ينتصر على أعدائه.
كذلك لم يكن هذا اليوم التاريخي المجيد مجرد تنفيذ لمعادلة “الإيلام” التي أعلن أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم عن اعتمادها بعد استشهاد القائد الكبير شهيد الأمّة السيد حسن نصر الله (رحمه الله)، بل كان رسالة للعدو والصديق بأن قدرات المقاومة في لبنان ما زالت كبيرة وإن مخازن صواريخه ومسيّراته ما زالت مليئة، وإن تصعيد المواجهة مع العدو ما زالت خطته المعتمدة التي لا يمكن ان تنتهي إلاّ بانتصار الحق على الباطل في لبنان كما في فلسطين..
لقد قرأ البعض في تأجيل رد قادة الكيان على مقترحات واشنطن، التي حملها هوكشتاين (بعد ان أعدت قبلاً في تل ابيب)، مناورة صهيونية لكي يستكمل جيش الاحتلال خططه البرية في جنوب لبنان، فاذ بالمقاومة في لبنان، كما في غزة، تستفيد من هذه الأيام لتوجه ضربات على رأس قادة الاحتلال وتجعلهم يرددون للمرة الأولى عبر سفيرهم في واشنطن قبولهم بما حمله إليهم أموس هوكشتاين الذي بدوره هدد بالانسحاب من مهمته إذا لم تتعاون تل ابيب معه..
ولقد جاءت الضربة الميدانية للعدو أيضاً في جنوب لبنان، (وخصوصاً في الخيام وشمع وبنت جبيل)، وتصاعد الضربات النوعية للمقاومة في غزة من شمالها الى جنوبها في وقت حققت فيه قضية فلسطين انتصاراً قضائياً عالمياً كبيراً حين أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغالانت في قرار غير مسبوق تتخذه هذه المحكمة التي كان المدعي العام فيها كريم خان أول المؤيدين لتل أبيب بعد عملية “طوفان الأقصى” وهي المحكمة التي أنشئت حسب قول مسؤولين اميركيين لمحاكمة “المتمردين” على الهيمنة الأميركية لا للمنفذين لإملاءاتها..
بل جاء هذا اليوم المجيد بعد 14 شهراً على ملحمة “طوفان الأقصى” ليؤكد أن مسيرة التحرير على يد المقاومة قد انطلقت، وان نقطة جديدة قد كتبتها اليوم المقاومة في حرب “النقاط” التي تؤدي الى تراكم كمي يؤدي الى التحول النوعي وهو الهزيمة الشاملة للكيان..
وإذا كان من حق كل أبناء الامة ان يشاركوا أهل فلسطين ولبنان فرحتهم بإنجازات ذلك اليوم المجيد، فان من واجب أبناء الامة، في مواقعهم الرسمية والشعبية، أن يسألوا أنفسهم ماذا قدموا لمقاومتهم الباسلة في فلسطين ولبنان، لكي تستعجل انتصارها على العدو، وتوقف جرائم العدو بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، وخصوصاً إن شروط المقاومة في فلسطين ولبنان ليست إلاّ قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الامن، الداعية الى وقف اطلاق النار، برغم الفيتو الأميركي، فوقف العدوان هو قرار دولي، وانسحاب الاحتلال من اراضٍ احتلها، هو قرار دولي، وإدخال المساعدات الى غزة هي قرار دولي، وتبادل للأسرى هو قرار دولي، وإعمار المناطق المعزولة هو قرار دولي، وبالتالي فأي حديث عن تعنت في موقف المقاومة في لبنان أو فلسطين، لا يخدم إلاّ العدو وجرائمه، ويوحي له انه اذا استمر في عدوانه سيجد صدى ايجابياً داخل المجتمع اللبناني والفلسطيني.. هو أمر يجب ان يدركه كل مشكك بمواقف المقاومة المبدئية بأنه يخدم العدو بغض النظر عن نواياه..
ولعل العنوان الرئيسي الذي يمكن أن نعطيه ليوم الرابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني 2024) وهو “أننا متألمون ومحزونون، ولكننا لسنا مهزومين”.
معن بشور
25/11/2024