“أن السلام حقيقة مكذوبة والعدل فلسفة اللهيب الخابي
لا عدل إلا إن تعادلت القوى وتصادم الإرهاب بالإرهاب”
أبو القاسم الشابي


موجعة ضربات العدو كانت، دموية ومتوحشة ولم تكن أبداً صادمة، فِعْلُ العدو بخساسته يحيلنا دون تردد على زمن ليس ببعيد، زمن التوحش الداعشي في سوريا والعراق وليبيا، حين كان ذبح البشر على الهوية وبلا سبب عادة يومية وفعلاً انتقامياً من هالة الصمود والإيمان بالحق وجدارة الحياة بكرامة، هل نال العدو الصهيوني ما أراد عبر عملية لا يقررها إلا عقل زواحفي شلته عقدة الهزيمة؟ قطعاً لا.. هل انتصر بجريمة لا ترتكبها إلا العصابات الإجرامية الخارجة عن القانون والأعراف ونواميس الحرب والشرف ومعنى الدولة؟.. سؤال يعرف جوابه ويعيه العدو وداعموه في الغرب قبلنا ولكن الهروب الدامي إلى الأمام تحول في الكيان المهزوم إلى انفلات جنوني شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وفي كل اتجاه تتراءى له فيه ثغرة ما.. 

مصابنا الجلل ومجدنا المُهِلْ..

في أسئلة النصر والهزيمة، مشروع لجمهور المقاومة وأنصارها وباقي شعبنا أن يسأل ويتساءل حول مدى الهزيمة واحتمال النصر، وأهل العقل والنباهة يحذقون الحديث في هذا ويعرفون الأجوبة المنطقية وبكل واقعية يحددون مقومات الانتصار وعناصر الهزيمة، ويُفَصِّلُون في مكامنهما، عنصراً بعنصرٍ ومقوماً بآخر، ووسط ضباب وخواء البروباغاندا الأمريكوصهيونية وزيف إعلامها واجترار الإعلام العربي المناوئ لمحور المقاومة، للمهملات من الاخبار من على أرصفة السفارات والمكاتب الخفية للعدو، هؤلاء الرجال والنساء الذين اختاروا مكانهم ومكانتهم في التاريخ، واعين أننا لا نحتاج في اليقين لذكاء اصطناعي ولا حتى تقليدي بل لذكائنا الفطري الإيماني، وهم يجيدون ببراعة الشرفاء التفصيل فيما هو بَيِّنٌ شَفَّافٌ، ولكن البعض من الناس لا يعلمون..
هل أوجعنا العدو بعدوانه المتوحش منذ إعلان الطوفان وحتى الهجمة الخسيسة على بيروت والجنوب الصامد؟ نعم وبكل تأكيد أوجعنا وأدمانا وأبكانا ونزلت دموعنا مدرارة واعْتُصِرت قلوبنا حزناً وألماً على أحبتنا وأهلنا، أسماء شهدائنا محفورة في الروح وعلى كل حجر وعطرهم يلف أحراج غزة ومعلقاً كشال الحرير في الجنوب الصامد على الشجر،
هل كان يمكن استباق البعض من هجماته؟؟ نعم ممكن ومحتمل وليس بالجزم، ولكن هل كان اليابان ليصير يابان اليوم لولا هيروشيما؟ الحرب ربح وخسارة والحرب تُعَلِّم ما لم نَعلم والحرب شَدٌّ لعود المؤمن، والحرب في الأخير هي الطلقة الأخيرة، 
هل تخطّى العدو حدود لبنان أو استطاع التمركز في متر واحد من ترابها؟ قطعاً لا ولن يستطيع، بل على العكس مستوطناته خالية، وبفضل تفوق المقاومة توقفت مصانعه في الشمال وشاحت مزارعه وشُلَّ نبض الحياة ضمن مجال يحدد رجالُ الشمس فيه الحركة ووتيرة الحياة ويتحكمون في الأجواء والأنواء والأفق.
هناك.
المقاومة وعدتها وعديدها مؤمنة ومحصنة وآمنة رغم بذل الدم وقوافل الشهداء، وحتى ضرباتها مشروطة بأمان المدنيين العزل، وأهدافها عسكرية وهجماتها مقننة بشرف المقاتلين المحكومين بقيمهم وأخلاقياتهم، خلافاً لخساسة العدو الذي كما تحدث فيه وأمثالِه العلامة ابن خلدون: “المتوحشون جعلوا أرزاقهم في رماحهم، فهم لا يبحثون من خلال الحرب إلا عن انتزاع ما في أيدي الناس بالقوة، لأن في ذلك وسيلة عيشهم”..
هل نال العدو من قوة المقاومة العسكرية أو دمر عتاداً أو فاز بالبعض منه أو أسر مقاوماً واحد  أو غنم بسلاح ؟؟ لا لم يكن ولن يكون والتاريخ والحاضر شاهد..
هل كسر العدو إرادة وثبات وإصرار المقاومين ونال من معنوياتهم أو مس شعرة واحد من بنية المقاومة ومتانتها، أبداً ومطلقاً لم يحصل هذا، واسمعوا للجريح الذي أصيب في عينه ويده في الهجمة الالكترونية، حين زاره صديقه وهو نزيل المستشفى فقال لصديقه الحزين على مصابه: “جريح مين يا با؟؟ كلها عين راحت وإصبعين، إيه شو كاين؟ بعد عندي عين تانية وتلات أصابع باليمين، يعني بقدر سدد وارمي، أصلاً لما برمي بغمض عين، هياها غمضت لحالها، وبالرماية هني إصبعين محتاجهم، معي إصبع زيادة.. فشروا..”..
هل نجح العدو في كسر العروة الوثقى في محور المقاومة، من غزة الصامدة إلى الجنوب الظافر إلى سوريا الأبية فاليمن العنيد وعراقنا وإيران الوفاء؟.. أبداً وببراعة ،لقد فشل، فالمحور مع كل هجمة للعدو تزيد لحمته ويرتفع منسوب الوحدة والتضامن والإيمان بالمعركة والثقة بالنصر، وفداء المقاومة نصٌّ مقدس يلمُّ جغرافيا المحور وفلسفة كامنة في عقل قيادتها ومقاتليها الميامين،
فإذا نادى المنادي في لبنان وطلب النفير في شباب العرب حتى من غير المقاتلين، لنصرة المقاومة ما الذي سيحدث يا ترى؟ ألن نرى أفواجاً وبفخر واعتزاز يلبون النداء؟؟..
هل نجح العدو عبر كل عملياته  وجرائمه  وآلياته التي لا تحصى ولا تعد وعملائه الموزعين في الكرة الأرضية، و رغم سقوطه القيمي والأخلاقي إضافة لداعميه من أجهزة الاستخبارات والجواسيس الغرب والعُرْب، أن يخترق المقاومة أو يفتح ثغرة صغيرة فيها؟؟ بدون أدنى شك لا وألف لا، هي كالبنيان المرصوص حصونها من حديد وسقفها من إسمنت مسلح وجسدها طولاً وعرضا لا نعرف له موطناً في لبنان وحتى خارج لبنان فحدودها جغرافيا الأرض ولا نعرف لها مكان كما لا نعرف لهجماتها ميقاتاً و لا زمان،،١س
هل انتصر العدو بعد عام من العدوان الدموي والإبادة الجماعية؟ لا وألف لا، بل ارتدت الحرب عليه، وها إنه مأزوم في حكمه وسلطته السياسية شظايا، مأزوم اجتماعياً ،وشارعه يشتعل رويداً رويداً مع كل يوم جديد وأناسه يختارون المطار كبوابة للظفر بالنجاة، ومن تبقى يحاول أن يحيا متلبساً بالرعب والهلع اليومي ومجروراً إلى الملاجئ زحفاً، يقضون أيامهم ولياليهم في حالة تصنت لصوت القصف والطيران وتأهب محموم للاختباء،
أضحى الكيان مأزوماً اقتصادياً ، ومؤسساته المحلية -عصب اقتصاده- تحزم الأمتعة وتفر خارج حدود الكيان فموطنها حساباتها البنكية، والاستثمارات الأجنبية تنكفئ وتغير وجهتها خوفاً من الضياع في جو ينبئ بالخراب المعمم، وجنة التكنولوجيا عنده تتفتت وتنهار لأن أصحابها لا يتحملون الخوف واحتمال الدمار، وتجارته تكسد وتُغْلَق في وجهها ووجه حلفائها الممرات والبحار، وإعلامه صندوق عجائب بفضائحه وهرائه وزيفه وحقده المسكوب عبثاً ويأساً ، أما عن السمعة فلسوئها درجاتٌ وقد ظفر الكيان بأعلاها، حتى صار بعضهم يخشى أن يلصق به عار الكيان وجرائمه،
هل يفهم الكيان في دروس التاريخ؟ قطعاً لا، وإلا لكان علم وفهم أن كل عمليات موساده مع ضراوتها تحمل في طياتها حمقاً لا يتقنه غير الصهيوني الأعمى، وخلافاً لما يقال عن قوتها وقدرتها، ففي لبنان انتهت معظم عملياتها بانتصار لبنان ومقاومته وسقوط خطط الكيان بالرغم من كل الضرر الذي يلحقه، لكن في العمق وعلى مدى الزمن هو الخاسر، بل منحت جرائمه للمقاومة قوة أكبر، وصلابة أمتن، وتمرس وتمكن واقتدار.
لبنان الأخضر، هذا البلد الصغير الذي تحول إلى محور الكون والكون يهابه، كل شيء فيه يعانق السماء، مرتفعاته وجباله وسهوله وفيروزه ومقاوموه وسيده.. وحين ينزف لبنان يستنفر العدو ويرتعب ويرسل نداءات الغوث يمنة ويسرة فياللعجب!!..
أحد أهداف عملية العدوان الاتصالاتي، إضعاف المقاومة وزرع الشك في صلبها وضرب معنوياتها وكسر الحبل الوثيق بين المقاومين وقياداتهم، إضافة إلى خلق البلبلة في بيئة المقاومة، حيث إن الرسالة واضحة: نستطيع إيذاءكم أينما كنتم، فيجيب جرحى لبنان الأخضر: “نحنا كتار نحنا ما مننكسر نحنا ما منموت”، فيعلن جيش العدو نقل الفرقة 98 من غزة إلى الشمال مع لبنان!!..
ويقول ثانٍ : شكراً نتنياهو نبهتنا لأجهزة تجسسكم ومصنعيها ودولها ونبهت كل المنطقة بأن كل ما يأتي من الغرب لا يسر القلب، وقد وفرت علينا مجهوداً ووقتاً وفكراً كان يذهب هباء.
الآن من المؤكد أن المقاومة ستصنع بديلاً لهذه الأجهزة وتبتكر أجهزة اتصالات ووسائل مؤمنة لها ولمواطنيها ومنيعة على الاختراق والعبث القاتل،
خَسِرَت “غولد أبولو” التايوانية إلى الأبد وفرضية خسارة قطاع الاتصالات وتصنيع أجهزة الاتصال في أمريكا والغرب صارت قوية ومبرراتها وأسبابها لها ما يسندها في واقع جريمة بيروت، فهل من عاقل مازال يطمئن لهذه الأجهزة في باقي العالم، ألا تذكرنا هذه العملية بوباء كورونا وفضيحة التلاقيح ومصائب مختبراتهم والموت المصدر عبر إبرة ونفس؟ من يأمن لهواتفهم ومنتجاتهم القاتلة بمجرد الضغط على زر؟
يروى أن رُسُلاً عادوا إلى المقوقس عظيم مصر بعد أن أرسل إلى جيش عمرو بن العاص فسألهم: كيف رأيتم؟ قالوا: “رأينا قومًاً الموت أحبّ إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم، ولا السيد من العبد ،وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويخشعون في صلاتهم…”، فقال عند ذلك المقوقس: “والذي يحلف به، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد”.. فهمها المقوقس وامتنع عن فهمها الصهيوني المهزوم.

هند يحي – تونس