نفّذ ماهر الجازي عملية فدائية على الحدود التي تفصل بين ضفتي نهر الأردن، وهو في هذا يدق مسماراً في نعش سايكس بيكو، ولكنّه في هذه المعركة ضد سايكس بيكو ليس وحيداً!

سايكس بيكو هي معاهدة سرية عقدت بين فرنسا والمملكة المتحدة عام 1916، اتفقتا فيها على اقتسام منطقة الهلال الخصيب وتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية. ساهمت هذه الاتفاقية في تقسيم الوطن العربي والأمة العربية الإسلامية وبالتالي إضعافها على مبدأ فرّق تسد، وخلق حدود وهمية بين الدول المختلفة كمقدمة لتوليد نزاعات وصراعات عربية-عربية، وخدم ذلك في تفتيت قوّة العرب والمسلمين، وتسهيل السيطرة والهيمنة الإمبريالية في المنطقة كمقدمة لنهب موارد وخيرات الشعوب، وكان اقتسام فلسطين وعزلها عن محيطها الطبيعي في بلاد الشام وباقي أقسام الوطن العربي مقدمّة ضرورية لنجاح المشروع الصهيوني في إقامة دولته المزعومة على أرض فلسطين، حيث جاء وعد بلفور المشؤوم بعد عام من الاتفاقية، وقد أنشئ المشروع الصهيوني كأداة تحقق المطامع الإمبريالية المتمثلة في تقسيم وتفتيت الأمّة وبث النزاع والشقاق فيها، وإجهاض محاولات النهضة والوحدة كشروط ضرورية لتسهيل النهب والاستغلال.

في مواجهة هذه المخططات الخطيرة التي حوّلت الأمة العربية الإسلامية إلى أمّة ذيلية وذليلة وتابعة تقع في مؤخرة الركب الحضاري، نشأت عدة مشاريع سياسية حكمتها ثلاثة تيّارات رئيسية، التيّار الإسلامي والذي يؤمن بوحدة المسلمين ومصالحهم في جميع أماكن تواجدهم، وبضرورة طرد الغزاة من الأرض الإسلامية، وتحرير فلسطين خاصّة أنّها تحوي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وإليها أُسري بالنبي محمد ومنها عرج إلى السماوات العلا، والتيّار القومي العربي الذي يؤمن بوحدة العرب وضرورة مواجهة وطرد الغزاة من الأرض العربية، وضرورة تحرير فلسطين باعتبارها قلب الوطن العربي الذي تعرض للغزو والاستعمار من الصهاينة، والمشروع اليساري الذي يؤمن بوحدة الطبقات المضطهدة والشعوب المسحوقة، وضرورة طرد الغزاة الإمبرياليين وتحرير فلسطين من المشروع الصهيوني باعتباره مشروعاً إمبريالياً زرع في المنطقة لنهبها.

جميع هذه التيّارات تحمل في فكرها وفي تاريخ ممارستها السياسية ضرورة تفكيك سايكس بيكو وإزالة الحدود الوهمية، وضرورة تحرير فلسطين والقضاء على المشروع الصهيوني، وهي أهداف لم تكتمل.

بعد مائة وسبعة أعوام من سايكس بيكو، اندلع طوفان الأقصى مجسداً وحدة ميدانية وفكرية وتخطيطية بين مكوّنات مختلفة من هذه التيّارات، التي التقت على أسس تفكيك سايكس بيكو والقضاء على المشروع الصهيوني. وتوصف وحدة هذه المكوّنات بمصطلح قوى المحور، والذي يضم في تركيبته مكوّنات إسلامية من مختلف الطوائف، ومكوّنات من أحزاب يسارية وقوميّة مختلفة. كما ساهمت قوى المحور في بلورة بذور لإنشاء منظومة من الأمن القومي المشترك بين دول عربية وإسلامية مختلفة، وذلك من خلال التعاون والتنسيق والتخطيط الحثيث لعمليات بناء الجاهزية وتعزيز القدرات والدفاع والهجوم، وساهمت في إبراز مستويات جديدة ومتقدمة من التعاون الاقتصادي والمالي واللوجستي والإعلامي على طريق تحرير القدس. والأهم أنّ الطوفان ساهم في ترسيخ وحدة التيّارات الإسلامية والقومية واليسارية، وبالتالي وحدة العرب والمسلمين والمضطهدين في النواحي الوجدانية والقلبية، وما كان لهذا الالتقاء أن يتم إلّا لأنّه التقاء على بوصلة الوحدة الصحيحة؛ بوصلة القدس، فطريق القدس يمر عبر البدء بتخطي مخرجات سايكس بيكو، وتفكيك سايكس بيكو لن يكتمل إلّا بتحرير القدس.

وعلى هذا الطريق وعلى هذا الفهم يلتقي العرب المسلمون واليساريون وأحرار العالم ومناضلوه في جبهة واحدة أو كتلة تاريخية واحدة، وعلى هذا الطريق وعلى هذا الفهم – وفي عز اشتداد طوفان الأقصى – يصرّح الرئيس الإيراني من أرض العراق ويقول: “الدعوة إلى إلغاء الحدود بين دول الجوار تعود إلى دعوة الإسلام إلى وحدة المسلمين” متسائلاً: لماذا توجد هذه الحدود ولا يمكن لأبناء المنطقة السفر والتحرك بحريّة؟

  توحدوا فالوحدة قوّة!

علي حمدالله – فلسطين