في مطلع الألفية الثانية، وبعد اشتعال فتيل الانتفاضة الثانية، الرافضة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وممارساته، والتي كان آخرها في حينه اقتحام آرييل شارون النافق لباحات المسجد الأقصى والمسجد القبلي، بكل تجبر وبمرافقة قوات الشرطة والمستوطنين الأنجاس.
فقد واكب الانتفاضة تحريرُ الأسير الشهيد صلاح شحادة، مؤسس كتائب عز الدين القسام، والذي كان مشروعه البعيد المدى تطوير الردع والقوة للمقاومة من خلال تصنيع الصواريخ، التي باتت في يومنا هذا أحد أهم ركائز الردع بيد المقاومة، والتي يحسب لها العدو ألف حساب، وتؤرق مجتمعه الصهيوني.
بدأت المقاومة بتصنيع سلسلة من الصواريخ التي كانت بسيطة، مثل قسام واحد واثنان، والتي كان العدو وإعلامه وكل داعميه يصفونها بالعبثية، قاصدين الإيحاء بعدم جدواها، كطريقة لتثبيط العزائم عند العاملين على تصنيعها من المقاومة من جهة، وللتقليل من أثرها وخطورتها في وعي المستوطنين من جهة أخرى.
كما حاول الإعلام الصهيوني ومن في ركبه توجيه رسائل حادة، بالتدليل على أن ما يقوم به الكيان من اغتيالات وحروب شنتها على قيادات المقاومة، مثل اغتيال الشهيد صلاح شحادة- الذي شاءت الأقدار أن أكون تحت بيته قبل دقائق من استهدافه في حي الدرج بمدينة غزة – وكالحروب والاجتياحات التي لم تتوقف على القطاع، أنها أتت كنتيجةٍ وردٍّ على صواريخ عبثية لا تحدث ضرراً على أمن الكيان، ولكنها تكلف بيئة المقاومة الكثير من الدم والدمار، لترسم في وعي المجتمع الغزي والعربي عامة، أنه وبسبب تهور وعبثية المقاومة غير المجدية أنتم تدفعون الثمن. وكأنها تريد القول لهم: إن المقاومة جهة خارجية جاءت لإلحاق الضرر بكم، فعليكم أن تنقلبوا عليها كي تنعموا بالحياة.
كنا نسمع كثيراً في ذاك الحين الكثير من النكت والصفات التهكمية على هذه الصواريخ، بأنها ليست إلا مواسير أو “بايبات” معدنية كالتي عند محلات السباكة، محشوةً بعبوات أعواد الكبريت وبعض حشوات الألعاب النارية والمسامير، وأنها لا تحدث إلا فجوة في جدار في أفضل الاحتمالات … هذا إن وصلت أصلاً. وأن مداها لا يتجاوز مئات الأمتار فلا صدى لها عند المستوطنين ولا في عمق الكيان.
لن أردّ في مقالتي هذه على نكات ولا على إعلامي مغفل ولا حتى على ناطق باسم الكيان. ولكن سأسأل – من كان يقول ويتداول كل ذلك الهراء – عن صاروخ عياش ٢٥٠ وعن قذيفة الياسين ١٠٥ : أليسا امتداداً لقسام واحد؟
وهنا سأتوقف قليلاً لأترحم على صديق طفولتي وابن عمومتي الشهيد سائد حلِّس، الذي ارتقى في استهداف وهو يطلق أحد صواريخ القسام الأولى. ولأقول لكل من يقفون على الثغور في كل فصائل المقاومة اليوم، ولكل رجال المقاومة في المحور، أن اضربوا وكلنا فداءٌ لكم، ولكل رام بأنْ ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. تحية لكل إخواننا المجاهدين الصادقين على طريق القدس، ولكل قادة المقاومة، بأنا نناديكم .. ونشد على أياديكم .. ونبوس الأرض تحت نعالكم .. ونقول نفديكم.
صلاح الدين حلّس – الكويت