كلما حمي الوطيس سارع وفد من الصهاينة للمطارات كي يعودوا من حيث أتوا، إلى شتات لفظهم في النصف الأول من القرن العشرين، مقابل إغراءات بكيان يجمعهم في أرض الميعاد، التي باتوا يكررون دعواها مراراً بأدلة زائفة، ليكونوا هم أول ضحاياها إن صح التعبير. ما كانوا على دراية بأي منقلب سينقلبون، فقد رموهم بأرض لها شعب لا يكل ولا يمل ولا يستسلم، بل يثابر ويكابر ويكافح ويقاوم، بأظافره ابتداءً، ثم بالحجر ثم بالسكين، فالزجاجات الحارقة فالعبوات، وأخيراً بالصاروخ وقذائف الياسين ١٠٥.
قومٌ رفعهم الله بعِلمهِم وحضارتهم ودينهم، قومٌ أينما حلوا نشروا الوعي والعلم والحضارة والفن والأدب، يأتيهم أقوام من شراذم الأرض مفسدين، ذُلُّوا حيث حلّوا وأفسدوا حيث وفدوا، قوم جمعهم كره البرية لهم وأُبعِدوا، بل وطُرِدوا، ولضمان بعدهم دُرِّبوا على حمل السلاح للبقاء الطويل في هذه الأرض، وبالدعم المادي، وبرسم قضية ساقطة للتسول، وبدعم إعلامي كبير.
ظن الرجل الأبيض بأنه قد تخلص من فسادهم و غدرهم، فسبقوه بتفجير فندق الملك داوود في مدينة القدس بضباط الجيش الإنجليزي في الثاني والعشرين من يوليو عام ١٩٤٦ ومن ثم ضرب سفينة التجسس الأمريكية ليبرتي مقابل سواحل العريش في الثامن من يونيو عام ١٩٦٧ لتوقع بأربعة وثلاثين شخصاً من صفوف الجيش الأمريكي بالإضافة إلى عشرات الجرحى، والكثير الكثير من عمليات عض اليد التي تمتد لمساعدتهم، فهذا ليس بجديد عليهم وعلى تاريخهم فهو مليء بما هو أقبح من ذلك من ممارسات وحشية ونكران للجميل، فقد كفروا بالله وعبدوا عجل السامري، بعد أن نجاهم الله من فرعون، فلا ذمة لهم ولا أمان.
لذلك وبعد كل خطر يقلل من فرصة بقائهم على أرض فلسطين، نرى الرجل الأبيض يهرع لتثبيتهم من جديد، ليس لأحقيتهم بهذا الكيان ولا حباً فيهم، بل لضمان عدم عودتهم. وكلما زاد الدعم ازددنا علماً ويقيناً بأثر المقاومة ومحورها في المنطقة.
شاعت مؤخراً إعلانات تعليق رحلات الخطوط الجوية الغربية والأمريكية تجاه مطارات الكيان، بحجة أمن خطط سير الرحلات، خاصة بعد إعلان رد محور المقاومة تجاه الكيان، بعد ضربه ميناء الحديدة في اليمن، واغتيال الشهيد فؤاد شكر في ضاحية بيروت، واغتيال الشهيد إسماعيل هنية في قصر الضيافة بطهران. ولكن الغريب في الإعلان الذي صرحت به هذه الخطوط الجوية وخاصة الأمريكية، هو أنها علقت رحلاتها حتى إبريل من العام القادم ! وهذا أمد طويل ما اعتادت شركات الطيران على إعلانه مسبقاً. في العادة يتم تعليق الرحلات لأسبوع أو شهر قابل للتمديد لا ثمانية أشهر. إذاً التعليق لم يأت خشية من الرد فقط، فالجميع يعلم أن الرد سيتم في غضون شهر أو اثنين على أبعد تقدير، فلم إذاً كل هذه المدة؟
لا جواب إلا أن بقاء الكيان بات على شفير الهاوية، إن لم يكن قد بدأ بالسقوط، وأن قومه الفاسدين المفسدين في الأرض بدأوا بحزم أمتعتهم، لغير عودة لأرض الميعاد التي كانوا يزعمون. ليبدأ الرجل الأبيض بصدهم ومنعهم بعد أن عجز عن تمكينهم وتثبيتهم. فلا تستغرب أخي القارئ إن شاهدتهم في الموانئ حاشدين نحو سفن أشبه بالتي أتوا فيها، كي يغادروا أرض فلسطين إلى غير عودة، ليعودوا لشتاتهم من جديد.
فهل يعطيهم الرجل الأبيض حق العودة؟
صلاح الدين حلس – الكويت