عبير الجنيد-اليمن

في بيان قوي العبارة، حاد اللهجة، صادر عن السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حول إساءة مرشح أمريكي للقرآن الكريم، لا نجد مجرد رد فعل عاطفي على حادث إساءة دينية، بل نرى نموذجاً متكاملاً للخطاب التعبوي الذي يحوّل حادثة محدودة إلى ذريعة لتصعيد الخطاب السياسي والديني، وإعادة ترسيم حدود الصراع بين “نحن” و”هم”.

هذا البيان الذي يحمل تاريخ 26 جمادى الآخرة 1447هـ، يمثل وثيقة خطابية تكشف آليات اشتغال الخطاب الحوثي في التعامل مع الأحداث الدولية، وتحويلها إلى أدوات للتعبئة المحلية والإقليمية.

( الدين سلاحاً والسياسة ديناً) (المؤمنون ضد الكافرين)

يتبنى البيان رؤية ثنائية صارمة تقسم العالم إلى معسكرين: معسكر “المهتدين” المتمثل بالمسلمين الحقيقيين (الذين يمثلهم الخطاب)، ومعسكر “الكافرين” و”أولياء الشيطان” المتمثل باليهود الصهاينة وحلفائهم الأمريكيين والبريطانيين.

هذه الثنائية ليست مجرد تصنيف، بل هي إطار تحليلي يختزل تعقيدات الصراعات السياسية إلى معركة دينية وجودية.

يبدأ البيان بآيات قرآنية (فصلت 41-42) ليخلق هالة من القدسية حول الموضوع منذ السطور الأولى. لكن التوظيف الأبرز هو تحويل القرآن من كتاب ديني إلى رمز سياسي، من “نور مبارك” إلى حصن في مواجهة “الطغيان الصهيوني”.

هذه العملية التحويلية تسمح بتسييس الدين وتديين السياسة في آن واحد.

النقطه المهمة في البيان تحويل من الإساءة إلى الحرب الشاملة

أي ربط القضايا غير المترابطة ظاهرياً

الاستراتيجية الأبرز في البيان هي ربط حادثة إساءة فردية (مرشح أمريكي) بحرب شاملة تشمل:

· الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

· الاعتداءات على لبنان وسوريا

· المؤامرات على اليمن والمنطقة

· مشروع “تغيير الشرق الأوسط”

هذا الربط يحوّل الحدث من قضية حرية تعبير أو إساءة دينية إلى جزء من مؤامرة كبرى، مما يوسع نطاق الاستجابة المطلوبة ويرفع سقف التوقعات.

من الإساءة إلى الوجود

يتصاعد البيان من الحديث عن “إساءة” إلى الحديث عن:

1. جريمة (توصيف قانوني/أخلاقي)

2. حرب ناعمة (توصيف عسكري)

3. عداء للإسلام والمسلمين (توصيف وجودي)

4. محاولة لإبعاد المسلمين عن قرآنهم (توصيف ديني وجودي)

يقدم البيان تشخيصاً معقداً للعدو من حيث:

· المركز: اليهود الصهاينة

· الأذرع الثلاثة: أمريكا، بريطانيا، إسرائيل

· الأتباع: الغرب الكافر

· الوكلاء المحليون: الأنظمة العميلة، المنافقون، المتخاذلون

السيد أيضاً ركز في هذا البيان إلى الدعوة للعمل من خلال :

توجيه اللوم الداخلي: تفريط الأمة

قبل الدعوة لمواجهة العدو الخارجي، يوجه البيان سهاماً حادة للداخل الإسلامي:

· اتهام الأمة بـ”الإفلاس” في الوعي والبصيرة

· وصف حالة الشعوب والأنظمة بـ”الخطيرة جداً”

· تحذير من “سخط الله وغضبه”هذا التكتيك في البيان يخلق حالة من الذنب الجماعي تدفع نحو التعويض عبر العمل.

وصفة الحركة: من المظاهرات إلى المقاطعة

يقدم البيان برنامجاً عملي متدرج من خلال :

1. فعاليات في الجامعات والمدارس

2. مشاركة علماء الدين الإسلامي

3. مظاهرات كبرى يوم الجمعة

4. توسيع دائرة المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية

5. تحرك إعلامي مكثف

6. التعبئة العامة للجولة القادمة من المواجهة

يأتي البيان ايضاً في السياق اليمني والإقليمي :

· استمرار الحرب في اليمن· تصعيد العمليات في البحر الأحمر

· التصعيد الإقليمي حول غزة

· الانتخابات الأمريكية المقبلة

أهداف هذا البيان متعددة من خلال:

. الوظيفة التعبوية: تحفيز القاعدة الشعبية

. الوظيفة الشرعيّة: ترسيخ شرعية القيادة ” أنصار الله ” كمدافع عن الإسلام

.الوظيفة التفاوضية: زيادة الورقة الضاغطة في المفاوضات

. الوظيفة الإقليمية: تعزيز الدور الإقليمي كقائد للمقاومة

هذا البيان يأتي في سياق خطاب الهوية في زمن الأزمات لأن بيان السيد القائد عبدالملك الحوثي ليس مجرد رد على إساءة، بل هو بيان هوية في زمن يشعر فيه الكثير من المسلمين، خاصة في العالم العربي، بأزمة هوية حقيقية أمام تحديات العولمة والهيمنة الغربية. الخطاب يحول القرآن من نص ديني إلى رمز هوياتي، ومن كتاب عبادة إلى سلاح مقاومة.

الأهم من ذلك، أن هذا البيان يكشف كيف يمكن تحويل حدث إعلامي عابر إلى أداة لتعزيز الشرعية السياسية، وإعادة ترتيب الأولويات المجتمعية، وصياغة الوعي الجمعي.

في عالم تتقاطع فيه الديناميات المحلية مع الصراعات الدولية، يظل هذا النوع من الخطاب أداة قوية في يد من يمتلكون مهارة توظيف الرموز وتحويل الاستياء إلى حركة.