فاطمة الزهراء.. سرّ المكانة وتاج الاقتداء
نور علي
{ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ○ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا }
تلك هي الزهراء عليها السلام، سيدة النور، وفلذة كبد الرسالة، وريحانة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) هي السر المكنون في بيت النبوة، والمقربة من حضرة القدس، والمفضلة على نساء العالمين. إنني أقف اليوم، بقلب خاشع وقلم متواضع، في حديقة غناء من الفضائل، تعود إلى أرواحنا بفيض من الحب والولاء لله ورسوله. وفي الحديث عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا نحتاج إلى تكلف العبارات، ولا إلى زخرف القول، فجلال سيرتها يغني عن كل استعارة، وعظمة مقامها تفوق كل سجع وجناس.
لقد كانت الزهراء (عليها السلام) منهل علم متدفق، ومدرسة أخلاق قائمة بذاتها. كانت عالمة تأتي إليها النساء يستفتينها في شؤون دينهن ودنياهن، وهي تستقبلهن بقلب يفيض صبراً، ولسان ينطق بالحكمة، وتواضع لا يضاهيه تواضع، وأناة تليق بسيدة نساء العالمين.
إن مكانة سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء( عليها السلام)، لم تُبنَ على مجرد النسب الشريف، أو المصاهرة الكريمة. لم تكن هذه الدرجة المنيفة حكراً لكونها “ابنة رسول الله، أو زوجة علي المرتضى”، أو أم الحسنين عليهم السلام. فكم من فاضل وعالم نشأ في بيئة صالحة، لكنه لم يبلغ قمة العرفان والخشية.
لقد كانت فاطمة هي القمة العظيمة بفضل ذاتها، بفضل عرفانها المطلق لله عز وجل
كانت العبادة العاشقة التي بلغت ذروة العشق الإلهي، والخشية الصادقة التي ارتقت إلى أسمى مراتب الخوف من الجليل. لم تكن مجرد عابدة، بل كانت سالكة مجاهدة تسعى بكل جوارحها لنيل الرضا الإلهي. ولقد كان جزاؤها أن رضي الله لرضاها**، فما أعظم هذا المقام الذي وصلت إليه هذه المرأة الجليلة!
إن الإسلام، وهو يضع للمرأة أحكامه وقوانينه ومناهجه، قد أحسن لها الرعاية والرقي الحقيقي، وتمثل هذا الرقي في أبهى صوره في شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام. هي الميزان الذي توزن به الفضائل، والمنارة التي يهتدى بها في ظلمات الفتن.
يا أيتها السالكة طريق النجاة، إن اقتداءكِ بها هو طوق النجاة بعينه. فلتكن سيدة نساء الدنيا والآخرة هي قدوتكِ الوحيدة، وتمثلي بها في حشمتها وحيائها، وفي علمها وفقهها، وفي أخلاقها ودينها. اعلمي أن الاقتداء بها هو الخيار الأوحد لسمو الروح وطهارة النفس.
إن حب السيدة الزهراء (عليها السلام) ليس مجرد شعار يُرفع، أو دمعة تُذرف، أو تظاهر بالفضيلة أمام الخلق بل هو ميثاق عملي، يُترجم إلى حياء حقيقي، وحشمة صادقة، وجهاد مستمر في تزكية النفس فلتكن سيرتها العطرة هي منهاج حياتكِ ولتكن أخلاقها هي بوصلة قلبكِ
و تبقى فاطمة الزهراء (عليها السلام) سراً إلهياً لم تُحط به العبارات، ونبعاً مقدسا لا ينضب. إنها ليست مجرد ذكرى عابرة في صفحات التاريخ، بل هي امتداد حي للرسالة، و شاهد على كمال الإنسانية
.فمن أراد أن يرى كيف يكون العشق الإلهي في أبهى صوره، وكيف يكون العلم مقروناً بالتواضع، وكيف تكون القوة ممزوجة بالحياء، فلينظر إلى فاطمة هي الكوثر الذي وعد به الله نبيه، وهي القدوة التي لا يضل من اتبعها فلتكن أرواحنا ظلاً لفرعها الثابت في السماء، ولتكن أعمالنا ثمرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
