الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين تنعي فقيد الثقافة العربيّة الراحل إسكندر حبش
بمزيدٍ من الحزن والاعتزاز، تنعى الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين إلى جماهير شعبنا وأمتنا العربيّة، وإلى الحركة الثقافيّة والتقدميّة في الوطن العربي والعالم، رحيل المثقف العربي الكبير، الشاعر والصحافي والمترجم إسكندر حبش، الذي غيّبه الموت بعد مسيرةٍ طويلة من الإبداع والالتزام والفكر الحرّ.
وُلد الناقد والأديب الراحل في بيروت عام 1963 لعائلةٍ من أصول فلسطينيّة من مدينة اللدّ، فحمل في وجدانه ذاكرة المكانين معاً، لبنان وفلسطين، وصاغ منهما هويةً ثقافيةً مزدوجةً تميّزت بالعمق والجمال والنزعة الإنسانيّة التحرريّة. كان ابن بيروت في حنينها، وابن اللدّ في صلابتها، فجمع بين الوجدان والموقف، بين القصيدة والمقاومة.
منذ الثمانينات، كان من بين الوجوه التي أسّست لمشهدٍ شعريّ جديد في لبنان والعالم العربي، وأسهم في إطلاق مجلاتٍ شعريةٍ طليعيّة، كما أدار الصفحة الثقافية في جريدة السفير اللبنانية، حيث كرّس قلمه ومساحته لنصرة الثقافة التقدميّة والفكر الملتزم، مؤمناً بأن دور المثقف لا يقلّ أهميةً عن دور المناضل في الميدان.
أصدر عدداً من المجموعات الشعرية التي عبّرت عن انشغالاته الوجوديّة والفكريّة والسياسيّة، نذكر منها:
«بورتريه رجل من معدن» (1988)، «نصف تفاحة» (1993)، «تلك المدن» (1997)، «أشكو الخريف»، «لا أمل لي بهذا الصمت» (2009)، «لا شيء أكثر من هذا الثلج» (2013)، «إقامة في غبار» (2020)، وهي نصوصٌ جسّدت رهانه على اللغة كفعل تحرّرٍ وكشفٍ للإنسان في هشاشته ومجده معاً.
كما كان من أبرز المترجمين العرب الذين نقلوا إلى لغتنا أصواتاً عالمية مؤثرة، فعرّف القارئ العربي على فرناندو بيسوا، أمبرتو إيكو، مارغريت دوراس، ألساندرو باربكو، وميخائيل بولغاكوف، وساهم في بناء جسرٍ معرفيٍّ وإنسانيٍّ بين الثقافات، ليصبح الترجمة عنده شكلاً من أشكال المقاومة الثقافيّة ضد الانغلاق والاستعمار الرمزي.
أثرى المكتبة العربية بترجماتٍ ومؤلفاتٍ رفيعة، منها: «أجمع الذكريات كي أموت»، «نجهل الوجه الذي سيختتمه الموت»، و*«هكذا تكلّم أمبرتو إيكو».
وكان آخر عطائه كتابه الحواريّ «ضوء الأمكنة المتناغمة» الصادر عن أكاديمية دار الثقافة ودار الفارابي، وهو شهادة شعرية على رؤيته للكتابة كبحثٍ دائمٍ عن النور الإنساني داخل الكلمة.
لقد مثّل إسكندر حبش نموذج المثقف الملتزم، المؤمن بأن الكلمة موقف، وأن القصيدة لا تنفصل عن قضايا الحرية والعدالة. احتضن التجارب الثقافية الفلسطينية الشابة، وكان صوته الداعم لكلّ محاولةٍ تُعيد للثقافة معناها التحرّري، مجسّداً بفكره وسلوكه معنى المقاومة الثقافية بوصفها جبهةً موازيةً لجبهة الكفاح الوطني.
برحيله، تخسر فلسطين ولبنان والأمة العربية صوتاً نبيلاً من أصوات الوعي الجمالي والسياسي، وشاهداً على زمنٍ ظلّ فيه الشعر بيتاً للكرامة، والموقف فعلاً للمقاومة، واللغة وطنًا لا يُنفى.
المجد لذكراه، والخلود لكلمته، والعهد أن يبقى صوته حيّاً بيننا، ضوءاً للأمكنة المتناغمة، ووصيّةً للأجيال القادمة بأن تكون الثقافة فعل حرية.
الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين
دائرة الإعلام المركزي
31 أكتوبر / تشرين أول 2025
