دمعة الأسيـ…ر على الشام… حين بكت فلسـ..طين وفاءً لسورية!
صرخة جنين!
من بين أسلاك السجون التي خنقت الضوء، خرج محمود العارضة، مهندس نفق الحرية في “جلبوع”، بعد ثلاثين عامًا من الصمود والصلب!
خرج يحمل في عينيه ليل الأسر، وفي صوته ارتجافة الحرية الأولى… لكنه لم يتحدث عن نفسه.
بل هتف باكيًا:
“يا حبيبتي عالشام… ضاعت الشام بتعرفي؟ ضاعت الشام.”
مازال الصليب بين جنبي محمود.. التقطه.. قاتل به.. نزف.. بكى.. صرخ.. فدوت صرخة الروح زلزالًا وجدانيًا وسياسيًا في آنٍ واحد — فليس العارضة من تبكي مآقيه عبثًا، وليس لمـ..ـقاومٍ صاغ الحديد بظفره أن يصرخ في هذه اللحظة إلا وهو يودع طفلته شام نهج الوفاء!
إنه ابن جنين.. ولاعجب!!
_من نفق الأسر إلى نفق الأمة!
ذاك الذي حفر الأرض بأصابعه لينتزع لحظة حرية، رأى من وراء القضبان كيف تُحفر أنفاق أخرى في جسد الأمة — أنفاق الخيانة، والخذلان، وصليبٌ عُلّقت عليه الشام!
خرج من زنزانته ليرى الكون السوريّ كله في زنزانة!
عرجت آلام الروح نحو المدينة التي عرفها كمقرّ للعزم وبيتٍ لكل مطاردٍ لم يبع بندقيته!
بكاؤه لم يكن على حجارة الشام، بل على روحها التي تُستنزف بين الطامعين وتُمزّق بين الأدعياء والباغين!
بكاؤه على زمنٍ كانت فيه الشام غرفة العمليات التي يعرفها محمود ورفاقه من القادة لا ساحةً تتنازعها الرايات بين الأجندات القوادة!
سورية التي يعرفها المقـ..ـاومون
يعرف العارضة – كما يعرفها العدو_ كانت الملاذ الذي لا يُعلن، والسند الذي لا يتراجع!
هي التي أوت الفصـ..ائل حين أُغلقت الأبواب، واحتضنت العائلات، ودفعت الثمن دون أن تساوم على اسم فلسـ..طين!
وفي خبايا العمل المقـ..اوم، كان التنسيق الصامت بين العقول والميادين يُرعب تل أبيـ..ب أكثر من مئة صاروخ.. من أجل هذا يصرخ محمود ابن جنين كما لو أنه تمنى ألا يخرج يوما من زنزانته!
_الدمعة التي أوجعت العدو.. ياشام.. احفظي الوصية!
هل ترون كيف يغرس محمود في شامه الطفلة الفلسطـ..ينية وديعة الأحرار؟!
هل ترون يا من جعلتم حياتكم القصيرة رهن أجندات الصهيوني فتخليتم عن أوطانكم وحولتم أعماركم إلى نفايات سنين كيف يصبح عُمر الحرّ دهراً كاملاً في لحظة امتحان؟!
هل رأيتم كيف يهزم الثبات جيوش وكيانات الطواغيت؟!
حين ذرف دموعه، أدرك العدو أن جسد محمود وسواه من أمة الأحرار يمكن أن يؤسر.. يمكن أن يُقتل يمكن أن يُباد.. لكن الذاكرة لا تُؤسَر في عقيدة الأحرار حقا!
لم تكن تلك الدموع ضعفًا، بل لمن يفهم اللغة بين السطور:
كل ما بُني من روايات الكراهية بين الشعوب يتهاوى أمام لحظة صدقٍ واحدة!
فمن خرج من سجون الاحتلال يصرخ “ضاعت الشام”، إنما يفضح مشروعًا كاملاً أراد فصل فلسـ..طين عن سورية.. أراد تقطيع أوصال الوجدان لتصير الأمة كلها دور سبي ودعارة.. عبثا تحاول مع الأحرار حقا أيها العـ..دو!
محمود المحكوم مؤبدا مرارا.. محمود الذي عرفته الزنزانة أول مرة وهي في الأول الثانوي.. وفي كل مرة يفرج عنه يهندس لمقتَلة في صدر العدو هاهو خرج بعد ثلاثين عاما.. ليقول لكل حلف الكيان وعملائه.. إن نفق الحرية الذي هندست له وخططت له وحفرته بأظافري.. هو مقتلة صغيرة.. فأظافر الأسير هندست في لحظات حريتها الأولى مقتلة في أجندة العدو.. ليصرخ ابن جنين.. ضاعت الشام ضاعت.. ويغرس في صدر الطفلة شام تلك الوصية!
فمن الشام إليك أيها القائد محمود العارضة!
يا محمود…
يا من عرفت الشام في ليلها وأمانها، في غرفٍ لم تكن تصلها الكاميرات ولا محاضر التحقيق!
يا من تركت في ذاكرة دمشق أسماء لا تُكتب، وأسرارًا لا تُقال!
يا من عرفت فنون التسلّل وجنون نقولات العتـ..اد ونشوة التخطيط وخمرة العهود والمواثيق…
اعلم أن الشام — وإن بدت ضائعة — ما زالت تحفظ وجوهكم واحدًا واحدًا،
وأن بين حجارتها رسائل لم تصل بعد،
وأنها حين تنهض، ستذكرك كما كنت:
مقاومًا يحفر الحرية بيدٍ، ويغطي بأخرى لرفيق السـ..لاح في الشام!
ما بعد الدموع…
في قراءة استخبارية صافية، لا يمكن فصل كلمات العارضة عن التحوّل الجاري في الإقليم:
من غزة التي كسرت هيبة الاحتلال، إلى الشام التي أعيا الفصيح مقالها
صرخة محمود رسالة مشفّرة بأن التحالف المقـ..اوم لم يمت، بل يُعاد ترميمه في وجدان الرجال لا في بيانات الحكومات!
والعدو الذي ظنّ أن السجون تقتل الوعي، سيعرف عما قريب أن الحرية خرجت من النفق إلى ذاكرةٍ لا تموت.. وإلى إشراقة ليوم عظيم لا يدرك سره أحد…!
_إليك بيان الشام!
يا محمود…
يا من خرجت من بين الجدران التي لا تُهزم إلا بالصبر، خرجت ومعك رائحة الأرض التي لم تنحنِ،
سمعناك تبكي على الشام، وسمعنا ما وراء الصوت… فدمعتك ليست دمعة أسـ..ـيرٍ عانق الحرية، بل دمعة مقـ..اومٍ أدرك أن الجبهة التي صمدت معه تغيّرت ملامحها!
سمعناك تقول:
“يا حبيبتي عالشام… ضاعت الشام بتعرفي؟ ضاعت الشام.”
ونعرف تخاطب زمنًا بأكمله!
زمنًا كان فيه المقـ.اوم يعرف طريقه إلى دمشق كما يعرف طريقه إلى البـ.ندقية!
زمنًا كانت فيه الشام تُخفي الرجال وتحمي السرّ وتُربك العـ..ـدو بظلٍّ دوخ قاعات الاجتماعات والمقرات السرية للـ..ـعدو!
يا محمود.. أيها القائد الشجاع!
نعلم أنك تعرف أي الأبواب كانت تُفتح بصمتٍ لتعبُر منها الرسائل والسـ..ـلاح والعهد!
ولذلك حين قلت “ضاعت الشام”، لم تبكِ الخراب ولا الحجر… بل بكيت تبدّل المعنى، وانطفاء الدور الذي كان يحرسكم من بعيد.. ومن قريب ومن حيث لاتعلمون!
لكن صدّقني!
لم تضع الشام بعد، بل تنتظر عودتكم لتستعيد نفسها.
فالعدوّ الذي أرهقتموه في الأنفاق، ما زال يخشى ظلّ الشام، ويعلم أن سورية حين تصمت، فذلك زمن إعداد، لا زمن نسيان!
يا محمود.. يابن جنين العظيمة!
من دمشق التي تعرفك، وتعرف من كنت، وماذا فعلت في الخفاء،
من المدينة التي حفظت بصمتها أسماء لم تُعلَن،
نقول لك:
إن الشام، وإن ضاعت في الأخبار،
ما زالت محفوظة في ذاكرة المقاومين الحقيقيين،
وفي وجدان الذين لم يوقّعوا على تسوية مع الضمير كي يدخل في غيبوبة باراتِ الذل والعار!
إليك الوصية!
ابقَ كما كنت،
فكلّ دمعة منك تُعيد كتابة التاريخ بمدادٍ لا يراه إلا من قاوم،
وكلّ شهقة ألمٍ من قلبك تُوقظ الشام لتستعد من جديد!
وانتظر الهمس المقدس..!
إنهم يرونه بعيدا.. ونراه قريبا.. يا محمود!