منذ دخول منطقتنا حقبة الاستعمار وما انبثق عنها من زرع الكيان الصهيوسرطاني في قلبها، ظهرت شخصيات وأنظمة كثيرة تدعو إلى فكر الاستسلام والتسليم وعدم المواجهة، متستّرة خلف ثوب “الموضوعية”، وكان من أدق المصطلحات الشائعة في وصف هذا الفكر الرجعي، الانبطاح.

وللأسف الشديد، الكثير من الأنظمة العربية منبطحة ومفرطة في حقوق الشعب العربي لصالح المشروع الصهيوأمريكي، وتجلى هذا الانبطاح بالاعتراف بالكيان الصهيوني، أحد أبرز وجوه الإمبريالية القذرة في العالم.

وكان الانبطاح الأكبر أو الأخطر استراتيجيًا اتفاقية كامب ديفيد الخيانية التي مثلت الطعنة الكبرى في ظهر المشروع التحرري العربي.

وتوالت بعد كامب ديفيد الانبطاحات مرورًا بوادي عربة وأوسلو إلى أن وصلنا إلى الاتفاقات الإبراهيمية.

وبعدما تم احتلال دمشق من قبل “هيئة تحرير الشام” المنبثقة عن “داعش” و”النصرة” كتتويجٍ للمؤامرة الكونية التي وقعت على سوريا منذ خمسة عشر عامًا، بدأت الوجوه الحاكمة لـ”هيئة تحرير الشام”، وخاصة الجولاني والشيباني، منذ اليوم الأول بمحاولة التقرب من الصهيوني من خلال تقديم قرابين خيانية بشكلٍ أكبر مما اعتدنا أن نشاهده من قبل أنظمة عربية متمرسة في خطيئة الانبطاح منذ عقود.

لم يعد مصطلح الانبطاح يخدم ويكفي لوصف الحالة التي عليها كل من الجولاني والشيباني ومن على شاكلتهم، فمنذ احتلالهم لدمشق بدأت الممارسات الغريبة على سوريا التي نعرفها قبل الثامن من ديسمبر. فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، قامت “حكومة الأمر الواقع” باعتقال قياداتٍ بالفصائل الفلسطينية وتسليم رفات العميل الصهيوني “كوهين”، وإجراء مقابلات على إذاعات صهيونية للتودد من الكيان، والسكوت عن الاعتداءات الصهيونية، وعمل جولات سياحية لشخصيات صهيونية داخل دمشق وداخل ثكناتٍ عسكرية للجيش العربي السوري، وغيرها الكثير والكثير من هذه الممارسات.

وما استنزف مصطلح الانبطاح بشكلٍ أكبر التصريحات الأخيرة لكل من الجولاني والشيباني، إذ صرح الجولاني في لقاء مع قناة تابعة للعدو الأمريكي: «يجب أن نبحث وسائل للعيش المشترك بين السوريين والـ “إسرائيليين“»، أي هو بذلك يطمح إلى تطبيع على مستوى الشعوب مع كيان إرهابي توسّعي.

وأما الشيباني، الشهير بمغازلة الكيان_قاتل أطفال غزة_ وصاحب اللقاءات المشبوهة، فقد صرح مؤخّرًا: «سوريا القوية والموحَّدة ستكون مفيدة للأمن الإقليمي، وهذا سيفيد إسرائيل»،والشيباني بهذا التصريح يعلن نفسه بكل وضوح كعميل للكيان وحارس لأمنه ومصالحه.

بعد أن ذهب الزمان الذي كان فيه مجرد استخدام كلمة “إسرائيل” بدلًا من مصطلح “الكيان الصهيوني” جريمة، صرنا نرى من سوريا العجب العجاب.

الكيان التوسعي الجشع أصبح يشعر بالتخمة من كثرة العملاء الموالين له في المنطقة، فلم يعد الانبطاح الكلاسيكي والتطبيع العادي يرضي غروره، ويوجد الآن في سوريا، مما رأيناه ونراه وسنراه، عملاءٌ مستعدون للذهاب إلى أقصى درجات الرضوخ والاستسلام والخيانة لكل من الشعب السوري والفلسطيني واللبناني خاصة، والشعوب العربية عامة. وكون كما ذكرنا لم يعد مصطلح الانبطاح يفي بالغرض،قد توصل رفيقكم كاتب هذا المقال إلى مصطلح يصف ممارساتهم؛ لكنه يعتذر عن الإفصاح عنه،لأن الصمت يعض على قلبه حين يواجه أن حروف المرتدين من دون حياء.

أبو الأمير ـ القدس

By adam