لم تعد ممارسات الكيان الأخيرة تُقرأ فقط في إطارها العسكري، بل باتت تعكس أزمة عميقة في بنيته السياسية والأمنية والأخلاقية. فالتصعيد المفرط في العنف، والاستهداف العشوائي للمدنيين، والتخبّط الواضح في المواقف والخطاب، ليست مؤشرات على قوة، بل على مأزق وجودي يزداد وضوحاً.
التاريخ يخبرنا أن الأنظمة أو الكيانات التي تفقد قدرتها على فرض السيطرة إلا عبر الإفراط في الوحشية، تكون قد بدأت بالفعل مرحلة الانحدار. فالعنف المفرط ليس وسيلة استقرار، بل انعكاس لعجز متراكم، ومحاولة يائسة للتعويض عن فقدان الشرعية والقدرة على الإقناع.
الكيان اليوم يواجه هذا المشهد المركّب: تتراجع صورته أمام الرأي العام العالمي الذي بات أكثر حساسية تجاه المآسي الإنسانية، انقسام داخلي غير مسبوق يهدد تماسكه السياسي والاجتماعي، وتخبّط استراتيجي يظهر في عجزه عن تحقيق أهداف عسكرية واضحة رغم ضخامة القوة المستخدمة. هذه العناصر مجتمعة تضعه أمام معادلة صعبة: كلما ازدادت وحشيته، تعمّق مأزقه وأصبح سقوطه أقرب.
ما يجري إذن ليس استعراضاً للقوة بقدر ما هو دليل على حدوده. فحين يتحول العنف إلى اللغة الوحيدة المتبقية، وحين يصبح التخبط هو السمة الغالبة على القرار، فإن النهاية لا تكون احتمالاً بعيداً، بل حقيقة تقترب خطوة بخطوة.
فاتنة – لبنان