في 2006 عندما أهدى شهيد الامة الاسمي السيد حسن نصر لله رضوان الله عليه نصر تموز لجميع اللبنانيين حرص حزب الله وحتى الساعة أن يحافظ على السلم الاهلي وحلّ القضايا الخلافية بالحوار والتوافق. غير أن هذا الحرص قرأه أعداء المقاومة في لبنان والإقليم وعلى الصعيد الدولي أنه ظاهرة ضعف يجب الاستفادة منها إلى اقصى الحدود. فقامت حملات تشويه صورة السيد والاساءة إلى المقاومة والاستهداف لبيئة المقاومة عبر تفجيرات امنية بهدف جرّ الحزب إلى فتنة داخلية قاتلة. غير أن الحزب تسلّح بالصبر الاستراتيجي واستطاع تجاوز تلك المحنة. لكن اليوم فإن أعدا المقاومة اعتبروا أن الحزب “هُزم” وأن الكيان الصهيوني المؤقّت “انتصر” بمجرّد أنه وافق على وقف إطلاق النار الذي استجداه العدو من الولايات المتحدة. وكذلك الامر في الادارة الاميركية التي اعتبرت أن محور المقاومة انكسر خاصة بعد سقوط سورية بيد جماعات التعصّب والغلو والتوحّش التي رعتها المخابرات الصهيونية والغربية والتي نعتها ايضا بالارهابية إلى أن حان الوقت لتبيضيها وجعلها “محترمة” بعد حلق الذقن وارتدا رابطة العنق. في رأينا هذا يعكس قراءة خاطئة لموازين القوى نشرحها في فقرة لاحقة.
حرص حزب الله على السلم الاهلي كان له كلفة كبيرة على الصعيد الداخلي حيث مقتضيات ذلك “السلم” اوصلت إلى تعميم الفساد وانهيار الاقتصاد الوطني وتركيع المواطن اللبناني بعد سلب أمواله المودعة في القطاع المصرفي وحرمانه من ابسط الخدمات والحق في الطاقة والمياه والاستشفاء والتعليم والعيش بحد أدنى من الكرامة. وكنّا نحذّر دائما أن اهمال الملف الاقتصادي سينعكس سلبا على المقاومة بغض النظر عن المكسب السياسي الذي شكّله شعار الحفاظ على السلم الاهلي. فتدمير الاقتصاد الوطني عبر تفشّي الفساد كان هدفا استراتيجيا للحلف الصهيواميركي واتباعه في البنية السياسية اللبنانية لمنع إمكانية الصمود. وقانون قيصر لم يقتصر على تجويع سورية بل استهدف أيضا لبنان وما زال. ويعتبر المحور الصهيواميركي واتباعه في الاقليم ولبنان أن الظروف مؤاتية لتأليب الرأي العام في لبنان وحتى داخل بيئة المقاومة لتنتفض على الحزب وسلاحه.
لذلك اقدم الفريق المعادي للمقاومة سياسيا وعمليا على طعن المقاومة بالظهر والانقلاب على التعهدّات التي قطعها رموز العهد الجديد تجاه المقاومة في اولوية تحرير الارض المحتلة قبل مقاربة سلاح المقاومة وفق لخطة دفاع يتم الاتفاق عليها. ويراهن ذلك الفريق ان حرص المقاومة على السلم الاهلي سيمنعها من الصدام في الداخل، خاصة بعد تكرار موقف المقاومة أنها لن تصطدم مع الجيش مهما كلّف الامر. فبغض النظر عما ستسفهر عنه الامور رغم قناعتنا أنه لا توجد قوّة في لبنان أو خارجه تستطيع نزع السلاح فلا بد من إبداء بعض الملاحظات حول المعطيات التي اظهرتها قرار الحكومة بنزع السلاح دون ربطه بخطة لتحرير الاراضي اللبنانية المحتلّة من قبل الكيان الصهيوني الموقّت.
الملاحظة الاولى هو تجاوز رئيس الدولة ورئيس الحكومة والقوى التي تدعمهما الميثاقية التي حكمت سلوك الحكومات المتتالية منذ بداية التسعينات والتي كرّست شرعية المقاومة كما نصّ عليها اتفاق الطائف. فقرار العهد والحكومة هو انقلاب فعلي على الطائف ومخراجاته ما يستدعي مراجعة من قبل المقاومة وحلفائها في مواجهة هذا الامر.
الملاحظة الثانية هي ان قرار نزع السلاح هو تمهيد لنزع الشرعية عن أي سلاح مقاوم في الامة كما تبيّن في اعلان مؤتمر نيويورك للدعوة إلى اعلان اقامة دولة فلسطينية دون تحديد معالمها ومضمونها ولكن بشرك نزع سلاح من حركة حماس. فمن الواضح ان الاستحالة لنزع السلاح من المقاومة في لبنان هو فقط لنزع الشرعية عن ذلك السلاح وان حزب الله لن يجرؤ على تهديد الامن السلمي لتثبيت شرعية السلاح. ولن يقتصر نزع السلاح عن المقاومة في لبنان وفلسطين بل سيشمل أيضا سلاح الحشد الشعبي في العراق وفي مرحلة لاحقة سلاح انصار الله في اليمن.
الملاحظة الثالثة هي أن انجازات المقاومة سواء في فلسطين أو في لبنان جعلتها هي من تعطي الشرعية لأنظمة الحكم ليس في لبنان بل لكل مكّونات النظام الرسمي العربي. المقاومة في فلسطين ولبنان هي التي تعطي أو تسحب الشرعية من النظام الرسمي العربي. وبالنسبة للبنان فإن الحكومة فقدت شرعيتها تلقائيا عندما تجاوزت الميثاقية فأصبحت صاحبة شرعية الامر الواقع فقط لا غير.
الملاحظة الرابعة هي أنه علينا أن نتذكّر مقولة الزعيم الخالد الذكر جمال عبد الناصر في يومياته عندما كان محاصرا في الفالوجا أن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير العواصم العربية من الاستعمار وفي أيامنا في استعادة القرار المستقل.

زياد حافظ – باحث وكاتب اقتصادي سياسي

By adam