فراس صالح
■ منذ أن تبوأ بتسلئيل سموتريتش مناصب سيادية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها وزارة المالية والإشراف على الإدارة المدنية في الضفة الغربية، تصدّر مشهد الفاشية الصهيونية بصورتها الأكثر تطرّفًا، لا عبر ممارسات سرية أو سياسات غير معلنة، بل بإعلان صارخ عن نوايا التهويد والضم والطرد الجماعي. لا يحتاج سموتريتش إلى أقنعة؛ فكل جملة يتفوّه بها تترجم على الأرض بسياسات تهدف إلى تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم مستدام.
لكن خطورته لا تكمُن في كونه فردًا مهووسًا بالسيطرة والتفوق العرقي، بل في كونه يمثّل، بكل وضوح، مرحلة تاريخية جديدة في تطور المشروع الصهيوني، عنوانها: لا سقف للفاشية، ولا كوابح أمام الاستيطان، ولا اعتبار لأي قانون أو «شرعية» سوى منطق السيف والضم القسري. والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: من سيكبح جماح هذا الرجل الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء؟
ولد بتسلئيل سموتريتش عام 1980 في مستوطنة بيت إيل، وهو ابن بيئة استيطانية دينية صهيونية تؤمن بـ«الحق الإلهي» في أرض فلسطين. تلقّى تعليمه الديني في المدارس التوراتية وتدرّج في صفوف المنظمات الصهيونية المتطرفة مثل «ريغافيم»، التي تخصصت في ملاحقة البناء الفلسطيني غير المرخّص في المناطق «ج»، وسعت إلى فرض سيطرة يهودية مطلقة على الأرض.
ترعرع سموتريتش في حضن مشروع يؤمن بأن الدولة اليهودية يجب ألا تكتفي بحدود 1967، بل يجب أن تُبسط سيادتها على كامل «أرض إسرائيل التوراتية». هذه العقيدة، التي مزجت بين العنف الديني والاستعمار الأوروبي، شكّلت نواة برنامجه السياسي الذي لا يتضمن أي مساحة للتسوية أو الحقوق الفلسطينية، بل يرى في الفلسطينيين عائقًا وجوديًا يجب التخلص منه.
حين استلم سموتريتش وزارة المالية، لم تكن مهمته إدارة الاقتصاد بقدر ما كانت تحويل خزينة الدولة إلى ماكينة تمويل للاستيطان والتطهير العرقي. فقد ضخّ بلا حساب الأموال للمجالس الاستيطانية، ورفع الميزانيات الأمنية في الضفة الغربية، وخصص برامج دعم مباشر للبؤر العشوائية، وموّل شق الطرق الالتفافية التي تفصل الفلسطيني عن أرضه وتُيسر تنقّل المستوطن.
على الجانب الآخر، اتخذ قرارات بتجميد الدعم المخصص للبلدات العربية داخل الخط الأخضر، ورفض تمرير ميزانيات البنى التحتية أو الصحة أو التعليم في مدن مثل أم الفحم والناصرة والطيبة. المال، بالنسبة له، سلاح سياسي لا يقل فتكاً عن الدبابة أو الطائرة.
بصفته الوزير المُشرف على الإدارة المدنية في الضفة، أصبح سموتريتش حاكماً فعلياً على أكثر من 60% من أرض الضفة الغربية. هو من يقرر إن كان الفلسطيني سيحصل على تصريح بناء، أو تُهدم منازله، أو تُصادر أرضه. وهو من يدير سياسة الفصل العنصري بين الفلسطينيين والمستوطنين.
الإدارة المدنية، تحت إشرافه، تحوّلت إلى ذراع للاستعمار، تُمارَس فيها السياسات العنصرية بأدوات قانونية مزيفة. عبر قوانين الأرض العثمانية والبريطانية، يُسلب الفلسطيني أرضه بزعم أنها «أراض متروكة»، ويُمنع من البناء بدعوى «عدم التطابق مع المخطط الهيكلي».
سياسة الضم التي يقودها سموتريتش لا تأتي عبر إعلان رسمي، بل تُفرض تدريجياً من خلال واقع ميداني يُحكم على الأرض: شرعنة بؤر استيطانية، إنشاء شبكات طرق جديدة، حرمان الفلسطيني من التوسع العمراني، وإدخال أنظمة مدنية إسرائيلية تدريجياً.
التطهير الذي يقوده سموتريتش لا يتم عبر الترحيل الجماعي كما جرى عام 1948، بل بطريقة «الترانسفير الصامت». الفلسطينيون يُجبرون على مغادرة قراهم أو أراضيهم بسبب ظروف الحياة المستحيلة: لا ماء، لا كهرباء، لا تعليم، لا تصاريح بناء، ولا حماية قانونية.
الضغط النفسي والمعيشي يُحوَّل إلى سلاح. العائلات الفلسطينية في مناطق مثل الخان الأحمر ومسافر يطا والنقب، تجد نفسها بين خيارين: إما الرحيل، أو البقاء في ظل العيش في جحيم يومي.
سموتريتش لا يفرّق بين فلسطيني الضفة وفلسطيني 48. فهو يرى في المواطنين العرب داخل إسرائيل تهديداً ديمغرافياً يجب تحجيمه وإخراجه من الحلبة السياسية. يطالب بمنع الأحزاب العربية من الترشح، ويدعو إلى طرد كل من «لا يعترف بيهودية الدولة».
مشاريعه العنصرية شملت قانون «منع لمّ الشمل»، وخطط «تهويد الجليل»، وسن قوانين تمويل البلديات على أساس «الولاء»، لا الحاجة. إنه يسعى لتفكيك النسيج الوطني الفلسطيني داخل الخط الأخضر، وخلق «فلسطيني صالح» منزوع السياسة والهوية.
ما كان لسموتريتش أن يتمادى لولا صمت وتواطؤ الولايات المتحدة، التي وفرت كل الدعم لمخططات إسرائيل، وتواصل تسليحها والتعاون معها أمنياً وسياسياً، وتزور الحقائق، وتجمل صورة الاحتلال التي باتت، باعتراف النخب الإسرائيلية نفسها، دولة معزولة عالمياً.