نعيش مسارنا تحت سياط الجلادين بمسمياته المتعددة بعد أن قام بتحويل مخادع لوجهة العقول ودون استثناء، فدمّر الإنسان حتى أصبح يرتجى من الحيوان الرحمة قبل غيره. هو بلاء أُجهز فيه على كل القيم فلا دينا تركوه ولا مذهبا الا ركبوه…

ديباجة يتقمصها الجلاّد حسب المصالح أمّا الحقوق فقد أصبحت من الماضي السحيق ومن ذاكرة التاريخ .

منذ «طوفان الأقصى» أصبح المشهد الدولي يعيد تشكلاته بين تحالفات قديمة وأخرى غير تقليدية من اهمها تيارات تدعي الاسلاموية والهوية والانتماء وما شابه.

من نتائج هذه المرحلة انهيار مفاهيم الحروب التقليدية، وعودة صريحة لمنطق الغاب والقوة الذي أصبح سائدا على مصائر الشعوب.

كان الشرق الأوسط وسيبقى دوما مستنقع لأمريكا، فهل ستبدي واشنطن استعدادًا لتجميد الصراعات المشتعلة في تلك البقعة ومع وساطة موسكو في طهران، هل ستأدي الى نتيجة؟

أمريكا رغم جبروتها، تدرك أن زمان العربدة قد انتهى، وأنها باتت، من حيث لا تدري، بحاجة إلى مخرجات جديدة خوفًا من هيمنة التنين الصيني المتربص الذي لا يرحم.

في مشهد جيوسياسي يزداد تعقيدًا، تسعى كل الأطراف لتحديد نتائج يمكن من خلالها تسجيل انتصار استراتيجي يحفظ لها مصالحها.

هل من مصلحة امريكا ان تفتح جبهة حرب مع إيران وبالتالي ادخال المنطقة في دوامة فوضى لا يمكن تحديد نتائجها. اشارات عديدة سربت تصل الى حد التناقض من داخل الحكم في طهران منها أنّ قيادة الثورة الاسلامية أصبحت تخيّر المواجهة بشرط ان تكون امريكا البادئة…

هذا ما اشرت اليه مؤخرًا وسائل إعلام إيرانية مع ارتفاع أصوات لصناع القرار ترى أن الهجوم العسكري على المنشآت النووية قد يكون خيارًا أفضل من تقديم تنازلات. على راس هذا الراي قائد الثورة الاسلامية في إيران يرى أنّ المعركة لن تضر بهوية إيران ومكتسباتها الثورية، ومن الممكن استخدام الهجوم ذريعة للانسحاب من المعاهدات ومستقبلًا يمكن التفاوض بشروط أحسن. خيار الهجوم المحدود من الاطراف المذكورة سيعزز موقف إيران الإقليمي ويقوي التماسك الداخلي ويزيد العداء ضد الشيطان الأكبر، وهو الأفضل وأقلّ ضررا من الاستسلام لمطالب واشنطن.

مع الرسالة الاخيرة التي وصلت طهران عبر الروسي يُعتقد أن ترامب لا يسعى الى حرب شاملة تؤدي إلى انهيار النظام أو ادخال الفوضى للمنطقة، كما أن قواته والكيان وحلف الناتو غير قادرين على حرب واسعة في هذا التوقيت . وترامب يخيّر الذهاب الى صفقات. وباتت امريكا تدرك أنها أمام مفترق حتمي لا مفرّ من السعي إلى هدنة استراتيجية بغية استجماع قواها.

مع ما سرب تعيش المنطقة على صفيح من نار في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وعديد الدول الاخرى التي تنتظر في نتائج ما يمكن ان يحصل سواء في دول الخليج او تركيا والاردن ومصر وحتى حوض المتوسط ويعمل الكيان اللقيط بغطاء امريكي على تجاوز كل الحدود وقواعد الاشتباك، ولا يعرف متى ستكون ساعة الحسم ولمن.

منذ وصية كارتر أدرك ترامب أن أمريكا ستخرج من سياق القوى العظمي بمنسوب انفاقها الهائل على الحروب والعسكر دون طائلة، مع حاجة الادارة الامريكية لسنين للسلم والاستقرار الداخلي والخارجي، لترتيب اوراقها بعد اعادة حساباتها لتتمكن من اللحاق بالتنين الصيني الذي لا ينتظر. هذا الإدراك أعاده الرئيس ترامب وكرّره في اكثر من مناسبة وخطاب .

الصين، القوة الصاعدة بثقلها الجيوسياسي والاقتصادي والتكنولوجي وبذكائها الاصطناعي، ستكون الطرف المعقّد لأمريكا. إلا أن التعاطي معها سيكون مختلفا.

أجزم أنّ البيت الابيض سيعجز معها وفي لحظة عجزه سيفقد السيطرة وسيكون أمام خياران لا ثالث لهما. إمّا المواجهة العسكرية أو تقاسم النفوذ.
يبقى الطرف الاوروبي الذي انتهى دوره بعد أن أضاع فرصته مع دخوله في الحرب الاوكرانية، لتتحوّل أوروبا العجوز خارج حسابات الكبار.

بالتوازي مع هذه القراءة، تنطلق الصين بخطى واثقة لرسم موازين قوى دولية جديدة. إمبراطورية تقنية الذكاء الاصطناعي ستحسم المعركة مع نهاية هذه السنة للعقود مقبلة.

بعد جلسة مفاوضات صينية روسية ايرانية تم الدعوة للرجوع الى الاتفاقية المبرمة و الى القانون الدولي في ظل مطالب متزايدة للرئيس الأمريكي ترامب، التي تعتبرها إيران غير مقبولة، مثل تفكيك البرنامج النووي بالكامل والتفاوض حول برنامج الصواريخ ورفع الدعم عن الحلفاء الإقليميين وهذا ما اشار اليه ترامب بكل وضوح بعد الردود اليمنية , ومما سرب من المكالمة الاخيرة يفهم أن الامريكي بداء يتنازل عن شروطه وعلى هذا المعطى يمكن ان نشهد تصعيدا محدود لإدخال الجميع في مفاوضات تريدها أمريكا أكثر مما يريدها خصومها. ليبقى ما في الاتصال الاخير بين ترامب وبوتين واتفاقهما على وجوب ألاّ تكون إيران في وضع يمكنّها من تدمير إسرائيل اشارة وهمس تنازلي لحل يمكن أن تقبله طهران دون المساس ببقية الشروط.

السؤال المطروح راهنًا: بأي ثمن يريد ترامب شراء زمنا خال من الحروب للتفرغ للصين وللقيام بامريكا مجددا ؟

حسن فضلاوي