مقدمة: حينما تسقط الإمبراطوريات من الداخل
ليست هذه مجرد أزمة اقتصادية عابرة في أمريكا و”إسرائيل”، بل ارتجاجٌ في أساسات نظام عالمي صُنع على الاستعلاء والعدوان. بين يناير ومارس 2025، انهارت أسواق المال الأمريكية كما لو أن الأرض انسحبت من تحت أقدامها، فيما يرزح اقتصاد الكيان الصهيوني تحت وطأة المقاومة، فهل هذا مجرد اضطراب مالي؟ أم أننا نشهد لحظة سقوط الغرب من عليائه؟
لم تكن هذه الضربات نتيجة عوامل اقتصادية بحتة، بل إفرازًا لعقودٍ من سياسات الاستعمار المالي والعسكري، حيث تتحول القوة إلى عبء، والهيمنة إلى لعنة تُلاحق أصحابها. واشنطن وتل أبيب تدفعان اليوم ثمن الدم الفلسطيني المسفوك في غزة، وثمن العجز أمام صواريخ اليمن في البحر الأحمر، وثمن الغطرسة أمام قوى ناشئة تعيد رسم الخريطة العالمية.
الفصل الأول: الاقتصاد الأمريكي.. بين سندان المقاومة ومطرقة الصين
- ضربة الصين التكنولوجية: حينما تُهزم أمريكا بسلاحها
لم يكن انهيار 1.2 تريليون دولار من قطاع التكنولوجيا الأمريكي مجرد تصحيحٍ مالي، بل زلزالٌ أحدثته الصين عبر شركة DeepSec، التي كشفت زيف تفوق “وادي السيليكون”، القائم على سرقة العقول واحتكار الابتكار.
المفارقة القاتلة؟ واشنطن جعلت من التكنولوجيا سلاحًا للرقابة والاستخبارات، فوجدت نفسها أمام خصمٍ يحسن استخدام السلاح ذاته، لكنه أكثر ذكاءً وأقل تكلفة. - الفيدرالي الأمريكي: أدوات الهيمنة ترتد على أصحابها
عندما خفّض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة 25 نقطة أساس، كان ذلك اعترافًا ضمنيًا بأن النظام الاقتصادي الأمريكي أصبح في غرفة الإنعاش، بعدما تجاوز الدين العام 35 تريليون دولار بسبب الإنفاق العسكري المسعور في الشرق الأوسط.
انهيار مؤشر داو جونز 6% لم يكن مجرد رقم، بل ناقوس خطر يدق في وول ستريت: “السوق الآمن” لم يعد آمنًا، والأموال تهرب إلى أسواق أخرى أكثر استقرارًا. - الضربة اليمنية: حاملة الطائرات تتحول إلى حاملة خسائر
استهداف القوات اليمنية لحاملة الطائرات “هاري ترومان” للمرة الرابعة لم يكن فقط عملًا عسكريًا، بل صفعةً اقتصادية قاسية:
تكلفة الإصلاحات تتجاوز مليار دولار لكل ضربة.
تأمين السفن الأمريكية في البحر الأحمر ارتفع بنسبة 300%، مما يجعل التجارة الأمريكية أكثر تكلفة، وأقل جدوى.
لم تعد واشنطن قادرة على تأمين سفنها، فكيف ستؤمّن اقتصادها؟
الفصل الثاني: الكيان الصهيوني.. من “قلعة اقتصادية” إلى اقتصاد محاصر
- غزة: حينما تهزم المقاومة الدولار بالصواريخ
كل قذيفة تطلقها المقاومة في غزة لا تسقط على الأرض فقط، بل تسقط معها أرقام البورصة في تل أبيب:
قطاع السياحة فقد 2.3 مليار دولار منذ أكتوبر 2023، مع إلغاء 85% من الحجوزات الفندقية.
هروب رؤوس الأموال: شركات عملاقة مثل Google وHSBC سحبت استثماراتها من الكيان بعد إدراجها في قوائم المقاطعة.
قال وزير الخارجية الصهيوني: “الحرب ستستمر حتى استعادة الأسرى”، لكن الحقيقة أن الاقتصاد الصهيوني لم يعد يحتمل كلفة الحرب، فما بالك بالاستمرار فيها؟
- لعنة البحر الأحمر: الاقتصاد الإسرائيلي في مهب الريح
بسبب الضربات اليمنية، تخسر “إسرائيل” 9 مليارات دولار شهريًا نتيجة تعطيل الشحن البحري.
ارتفاع تكلفة التأمين على السفن المتجهة لموانئ الكيان 600% جعل المنتجات المستوردة أغلى، فيما يعاني الاقتصاد المحلي من ركودٍ خانق.
حتى الشركات الكبرى لم تعد تثق في قدرة “إسرائيل” على الاستمرار، فكيف يثق بها المستثمر العادي؟
الفصل الثالث: عالمٌ جديد يولد من رماد الدولار والصهيونية
- محور المقاومة يكتب معادلات التجارة العالمية
لم يعد الحصار الغربي قادرًا على خنق القوى الصاعدة، فمشروع الممر الشمالي-الجنوبي بين روسيا وإيران والهند يعيد رسم طرق التجارة، ويقصي واشنطن عن قلب النظام الاقتصادي.
اليوان الصيني يزاحم الدولار، ويرتفع إلى 23% من احتياطيات الدول المناهضة للهيمنة الأمريكية، بينما يتراجع الدولار إلى أدنى مستوياته منذ 1991. - واشنطن تفقد السيطرة على سوق الطاقة
تحالف بريكس أصبح يُهيمن على 43% من إنتاج النفط العالمي، في حين تفقد واشنطن نفوذها بعد فشلها في إخضاع إيران وفنزويلا.
صفقة الغاز الروسي-الصيني “قوة سيبيريا 2” قطعت الطريق أمام شركات مثل Exxon، التي خسرت 18% من أرباحها خلال عام واحد.
الخاتمة: سقوط الإمبراطوريات لا يأتي فجأة.. لكنه حتمي
الأزمات المالية في واشنطن وتل أبيب ليست مجرد أرقامٍ في نشرات الاقتصاد، بل مؤشرات على تحوّل جذري في النظام العالمي:
أمريكا تفقد سلاح الدولار، بعدما تحوّل إلى عملة مُحمّلة بالديون والعجز.
“إسرائيل” تفقد أمنها الاقتصادي، بعدما باتت مقاومة صغيرة تستطيع فرض حصار بحري عليها.
الصين وروسيا ومحور المقاومة يصنعون نظامًا جديدًا، حيث القوة تُقاس بالتنمية، لا بالحروب.
السؤال لم يعد: هل سينهار الاقتصاد الأمريكي والإسرائيلي؟ بل: متى؟ والجواب أصبح واضحًا في بيانات 2025: أفول الإمبراطوريات قد بدأ.
✍ بقلم: خالد دراوشه