لا يخفى علينا جميعاً أنّ طوفان الأقصى نقل القضية الفلسطينية إلى مرحلة جديدة هي الأكثر ضراوةً و شدةً منذ عام 1948 , ولا نبالغ اذ نقول إنَّ طوفان الأقصى قلب الطاولة في العالم و أسقط الأقنعة , و نحن على مشارف حربٍ ليس ضرباً من ضروب الخيال أن تغيِّرَ وجهَ المنطقة و تتركَ أثرها لمئة عامٍ قادمةٍ .
فالنصر أمرٌ ضروريٌّ , و لا خيار لنا غيره , و هو ليس حديث العهد على أُمَّتنا ، فهذا “الجيش الذي لا يقهر” تم قهره و هزيمته في معركة الكرامة عام 1968 ، و في حرب تشرين عام 1973 ، و في حرب التحرير عام 2000 (جنوب لبنان ) ،ثم من قبل المقاومة الفلسطينية في غزة في معركة الفرقان عام 2008 ، و معركة حجارة السجيل عام 2012 ، و معركة العصف المأكول و البنيان المرصوص عام 2014 و معركة سيف القدس 2021 ، و في عبور السابع من أكتوبر المجيد الذي لا نزال نعيش عملياته البطولية الفدائية التي تثخن العدو إثخاناً على كافة الجبهات .
و تكمن ضرورة هذا النصر -القادم بإذن الله – في هذه المرحلة حيث أنها تختلف عن أية مرحلة سابقة , و كأننا نشهد صراعاً بين قوى الخير و قوى الشر في العالم ,و نحن نؤمن بالنصر فلن نُهزَمَ ,حيث أن الهزيمة إن حدثَتْ _ لا سمح الله_ ستدخل المنطقة في مرحلة ضياع و ظلام لعقود طويلة قادمة ,و سينفردُ الاحتلال و أذياله و داعميه بحركات المقاومة في المنطقة فيقضي عليهن واحدةً تلو الاخرى , سيُرفع الحرَجُ عن بعض الدول الرجعية فتطبِّعَ مع الكيان على الملأ , ولا نستبعد أن نرى تحالفاً عسكرياً بين دولة عربية ما ضدَّ حركات المقاومة .
الكيان سيقدم نفسه كسيدٍ للشرق في حالة هذه الفرضية الجدلية الساقطة , و سيستغل عملاء المشروع “الصهيوأمريكي” هذا الموقف من أجل أن يقدموا سرديتهم التطبيعية الانهزامية, لتحلَّ محل سردية المقاومة التي تعتبر الآن في أقوى مراحلها حيث تلتفُّ حولها حاضنة شعبية جماهيرية كبيرة.
و هذه العوامل مجتمعة سوف تترك أثرها على الاقتصاد و الجغرافيا و السياسة , لا بل و الأهم كرامة الإنسان العربي , فلا تراجع و لا استسلام .
و محور المقاومة حذِرٌ و شجاعٌ غير متردد , حيث نرى مطالبات شعبية كبيرة , لردِّ الإيراني أو اليمني أو لبناني رداً قوياً سريعاً شافٍ للصدور , و إن محور المقاومة يدرك أن عدم الرد في هذه المعركة يندرج ضمن مفردات الهزيمة فلذلك الرد حتمي قوي قادم لا محالة ، و غير مستبعد ان يكون لهذا الرد تداعيات أقربها الحرب الكبرى , فعندما نقرأ عن الحروب الكبرى التي جرت بالتاريخ لا نشعر أن الأسباب التي أدت إليها كانت أكثر سخونة و شدةً مما نراه الآن .
و محور المقاومة مدرك لهذا الأمر جيداً , فهو يريد الرد , و مستعد لتداعياته و نتائجه ,و لا يخشاها , فإن هذا المحور ليس مبنياً على فكرة اقتصادية أو عرقية بل مبني على فكرة نبيلة و سامِيَة ألا و هي المقاومة و الثورة و الجهاد و مناهضة الهيمنة و نصرة المستضعين و تحرير الشعوب من الهيمنة الأميركية , فهو يخشى التخلي عن مبادئه الجذرية و التراجع عنها أكثر من خشيته من أي شيء آخر , و لكنه بنفس الوقت و كونه مدرك لثمن الهزيمة و في هذه المرحلة بالذات فهو يعيش بحالة صبر استراتيجي على صعيد المعركة الكبرى و موعدها و ليس على صعيد مساندة غزة و إشغال العدو و تخفيف الضغط عن غزة , فالصبر الاستراتيجي يحاول أن يصوِّره العميل أو الجاهل تراجعاً عن المقاومة أو أنه نقيض للمقاومة لا بل هو أحد أهم أسباب نجاح هذه المقاومة .
فالجمهورية العربية السورية مثلاً التي هي العمق الاستراتيجي لمحور المقاومة, و التي تحارب منذ أكثر من عقدٍ من الزمن أعوان العدو الصهيوني على أرضها ,تعيش صبراً استراتيجياً في الرد على الاعتداءات الصهيونية بشكل مباشر , لأنها تدرك ضرورة الانتصار و تفهم كافة السيناريوهات الناتجة عن الهزيمة، و خاصة في هذه المرحلة، و لن أخوض هنا بموقف سوريا التاريخي و الداعم للمقاومة ولا عن مشاركته في هذه المعركة بطريقة أو بأخرى سيكشف عنها قادم الأيام ، لكن سأضرب هنا مثلاً ، فحماس نفسها عاشت هذا الصبر الاستراتيجي , و لمدة أكثر من عامين تقريباً فلم تشارك بشكل معلن و مباشر في الحرب التي جرت قبل طوفان الاقصى برفقة الجهاد الاسلامي , و سكتت عن اعتداءات الأقصى دون رد خلال هذه الفترة مما جعلها تتحمل الانتقادات اللاذعة من أذيال الصهاينة لفترة ليست بالبسيطة , و من ثم أتى طوفان الأقصى مزلزلاً مباغتاً, فهل علمتم ما معنى الصبر الاستراتيجي ؟!
هذه المرحلة التي نعيشها وصفها سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بصراع بين تناقضين , مشروع صهيوني عنوانه ما يسمى ب”اسرائيل”من البحر إلى النهر ، و مشروع مقاوم عنوانه فلسطين من البحر للنهر و الجولان سوري و مزارع شبعا و كفر شوبا اللبنانية، و بعد ذلك فلتذهب سايكس- بيكو إلى الجحيم , سيزول بين المشروعين أولئك الذين يخفون خيانتهم خلف الموضوعية و الوسطية و الرمادية , و أما نحن يا ثوار الأرض… نكون أو لا نكون !!!
و عليه نحن مطمئنون أن محور المقاومة يخوض هذه المعركة بكل حكمة و شجاعة , و كلنا ثقة بأي قرار يصدر عن هذا المحور , فهذه الثقة لم تولد اليوم , بل هي وليدة عقود من المقاومة و التضحية و الانتصارات المتتالية التي إن شاء الله ستتوَّج بالانتصار الأكبر بإذن الله , و ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم .
محمد دجاني – القدس