شهد العدوان الصهيوني على غزة تطوراً سريعاً وتصاعدياً في الأسابيع الأخيرة، ابتداءً من قصف ميناء الحديدة في اليمن يوم 20 تموز/يوليو، ثم عملية مجدل شمس، وما أعقبها من عمليتي اغتيال الشهيدين القائدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية في بيروت وطهران، وفي نفس اليوم قامت أميركا بغارة على الحشد الشعبي في العراق. ومما لا شك فيه أن هذه العمليات تعتبر انتهاكاً كبيراً لقواعد القتال المعروفة منذ بداية الحرب، وتشكل تصعيداً كبيراً يتحمل مسؤوليته الكيان الصهيوني.
وفي رد على التصعيد الصهيوأميركي أعلنت جبهات محور المقاومة من اليمن، والعراق، ولبنان وإيران أن الرد قادم حتماً، فتهافتت أمريكا وحلفاؤها من دول غربية وعربية لحماية الكيان، وتعالت صيحات التهويل والتخويف في محاولة لإفشال الرد القادم، وانفكّت الألسن الطويلة التي انعقدت بعد التصعيد الصهيوني، محمّلة محور المقاومة المسؤولية لخفض وتيرة التصعيد.
على الجبهة الأخرى، سارعت أميركا إلى حشد التعزيزات العسكرية في المنطقة من أجل حماية الكيان، واستنفرت حلفاءها للعب الأدوار السياسية المنوطة بهم، فبدؤوا حملة من الترهيب والترغيب تهدف لثني إيران وحزب الله عن الرد بقوة على الكيان الصهيوني وإقناعهما بتنفيذ ردود شكلية، مع إعطاء وعود شفهية بالضغط على دولة الاحتلال لتوقيع اتفاق لوقف الحرب. وفي هذا السياق، وفي يوم 8 آب/أغسطس خرجت أميركا معززة بقطر ومصر، ببيان جديد تدعو فيه إلى استئناف المفاوضات، زاعمة أن الكيان وافق مسبقاً على الاتفاق وأن ما بقي هو تفاوض هامشي على بعض الآليات التنفيذية، وهذا كذب مفضوح؛ فحكومة الاحتلال رفضت مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف إطلاق النار والذي أقرّه مجلس الأمن الدولي، والحقيقة هي أنّ من وافق على مقترح الاتفاق هي حركة حماس ممثلة لقوى المقاومة الفلسطينية.
وللتذكير، فإن الولايات المتحدة لم تلعب يوماً دور الوسيط في هذه المفاوضات، بل كانت ولا تزال ممثلاً عن الكيان الصهيوني في المفاوضات وخارجها، فمنذ بداية هذه الحرب يقاتل العدو الصهيوني بأسلحة امريكية، والولايات المتحدة عارضت وحدها من بين 15 دولة في مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار أكثر من مرة، وفي شهر رمضان الفائت وقفت أميركا عائقاً أمام وقف مؤقت لإطلاق النار خلال الشهر الفضيل، وهو وقف إطلاق النار الإنساني الذي روّجت له بنفسها، ولكنها لاحقاً أعاقت الموافقة على قرار بهذا الخصوص في مجلس الأمن الدولي، ولم يصدر القرار إلا قبل نهاية شهر رمضان بـ10 أيام، ثم إنه لم يطبق مطلقاً. كما أنها ساهمت بشكل كبير في إغلاق المعابر بوجه المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى قطاع غزة، ونفّذت مشروع الميناء العائم المشبوه والذي استخدم لتقديم دعم عسكري لجيش الاحتلال. ولهذا فإن أميركا تعتبر شريكاً فعلياً وداعماً مطلقاً للكيان على كل المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية، وهي معنية بانتصاره في هذه الحرب، ولذلك فهي طرفٌ فيها وليست وسيطاً.
ومرة أخرى، ما هذه الورقة في هذا التوقيت بالضبط إلا مراوغة جديدة، ومكر وخداع أمريكي هدفه كسب مزيد من الوقت، لعلّ الكيان يتمكن من تحقيق انتصار ما، ولهذا فإن هذه الورقة لا قيمة حقيقة لها، وما هي إلا مناورة جديدة وبائسة.
خلاصة الكلام : الرد على الكيان قادم حتماً من كل جبهات محور الإسناد، وسيكون الرد قوياً بما يكفي ليدرك العدو أن أي خرق آخر لقواعد الحرب سيكون ثمنه باهظاً جداً. هذا الرد سيكون إنذاراً ورسالة قوية وواضحة لأميركا وحلفائها بأن المحور لن يتسامح مع حماقات العدو الصهيوني، وأن استمراره بمغامراته غير المحسوبة قد يقود لإشعال حرب شاملة، يجهل الجميع مجرياتها وتطورها وعواقبها.
عبد الرحمن روان – فرنسا