كل يوم… كل يوم يا وطني تقلّبني الجراحات المؤلمة طوال الليل.. وسائدُ القهر الدفين… وأغطيةٌ تئن من وجع البرد!
البرد؟!
هل تعرفون معنى البرد؟!
هو ليس ذلك المسكين الذي ينخر العظام ويطقطق المفاصل.. ولا ذلك الذي يشعرك بأن ماء المطر يتسلل إلى أطرافك من أرض خالية أو من سقفٍ من النايلون تشقشقه عواءات الريح!
أبدا…
هذا ليس بردا.. فأبناء غزة قضوا شهورا بين أنيابه ولم يبردوا!
البرد… هو أن يختطف أحدهم وطنك فجأة.. ويقتلع خيمته ويغيّبَ عموده!
البرد.. أن يأخذوا وطنك أمام ناظريك سبيةَ عمالة وخيانة وأن تتلفت حواليك فتجدَ كل الشرفاء صاروا وراء حجاب!
البرد أن يسرق وطنك منك وأنت لا تسمع لا صوت رصاصة تدافع ولا كلمة تقاوم!
أكبس على الجراحات لتصمت أو لتنزّ ألما أكثر.. علّ الأوجاع تنيّمني.. وحدها الدموع الحرّى تدفئ أوصالي.. أذكر أهل غزة والجنوب فأبكي.. وأغبطهم.. لم يشعروا بالبرد!
فوطنهم سليب ولكن صوت الرصاص الشريف يدفئ لياليه.. ولكن وطني سليب وصمت العار يصلبه وينحره ويشق صدره ويدمييييه!!!
آآآه يا وطني كم تؤلمني جراحاتك.. كللللل يوم توجعني أكثر… آوي إلى الكلمات لرئيسنا العظيم وإلى وقع خطوات أبطال جيشنا في الساحات.. أرتل أسماء الشهداء لأن جدتي علمتنا أن آيات القرآن تبعث السكينة في القلب…. فأهدأ على هدهدات اليقين بأن الأوفياء سيشرقون من جديد!
أغفو وتحت عيني دمعةٌ من ألم وأمل!
ولا تغيب عني مشاهد المنافقين في وطني…
أوقن أنه الحق.. فعلى هؤلاء أن يسقطوا من حرم الوطن!
أعرف أنها خيوط القضاء تشفّي جسد البلاد من أورام المنافقين والمتخاذلين..!
أفيق.. تؤلمني الأوجاع التي نمت عليها!
وأرى الجراحات تتفتق أكثر على وقع كلمات الفجور والعمالة والنفاق!
أمسك خيوط القضاء وإبرة القدر أخيط جراحاتي وأنا أسمع صوت الإبرة كيف تخزق جلدي ولحمي وأعض على الوجع القاسي بدعاء اللهم ثبتني… لأن عليّ وعلى كل الأوفياء أن نخيط جراحاتنا كل صباح كي نجمع دماءنا ونكتب عهدا ولو بكلمة!
وأبكي وأنا أراجع ذلك الحديث: “سيأتي زمان على الناس يكون الممسك فيه بالحق كالقابض على جمرة من نار”!
اللهم لا تطفئ جذوة جمرتك.. ولا ترمِ أيدينا من يدك.. ولا تردنا عن بابك مكسورين!
فخارطة التحرير.. نرسمها بخيوط القضاء وإبرة القدر وجراحنا النازفة على طريق الثبات!

زنوبيا الشام-جينيف