هل تساءلتم يوماً عن معنى القلب الحقيقي؟
ليس فقط كرمز للعاطفة أو كعضو يضخ الحياة، بل كروح تفيض بالنور والمعاني، وكوطن ينبض بالمقاومة والصمود. حديثنا سيجمع العاطفة والعلم والتصوف والمشرق، حيث نجد أن كل الطرق تؤدي إلى قلب واحد… إلى سوريا.
القلب في العلم هو العضله التي تضخ الحياة والدم إلى الجسد، وتنقل الأوكسجين إلى كافة أنحاء الجسد ليحيى، كما أنه خلال عملية الضخ هذه ينقي الجسد من فضلاته من خلال عمله كجزء من الجهاز الدوري.
أما في العاطفة، فاخترت منها أسمى معاني القلب، القلب الصوفي، يخبرنا ابن عربي عن القلب ويقول: القلب وادٍ من أودية الروح، كلما اتسع زادت قابليته لاستيعاب أنوار الحقيقة.
ويخبرنا الحلاج أيضاً: قلبي يحدثني بأنّك متلفي، روحي فداكَ عرفتَ أم لم تعرفِ وكذلك صوتٌ في المشرق ينادي ضمائرنا بذات النداء: قلبي يحدثني بأنكم ستتلفونني، روحي فدى فلسطين، عرفتم الحقيقة أم لم تعرفوها.
هل عرفتم هذا الصوت؟!
إنه الصوت الذي تلتقي فيه كل هذه المعاني التي تجمع بين العاطفة والقوة، بين العلم والحضارة، وبين الروحانية والصمود، والرحلة من ظلام الاستعمار إلى نور الحرية! إنه… صوت المشرق، صوت سورية.
أما المشرق فهو العمق الحضاري لبلاد الشام ومنبع التحركات السياسية فيها، ومهد المقاومة ضد الاستعمار.
ففي سوريا، ومن مملكة أوغاريت، خُطت أول أبجدية مكتوبة في التاريخ. ودمشق الياسمين، هي أقدم مدينة مأهولة بشكل مستمر في العالم، فهي الشاهدة على التطور الإنساني وتحركه منذ العصر البرونزي وإلى يومنا الحديث. سوريا، هي موطن اللغات السامية، كالآرامية والسريانية، والتي أثرت في كل لغات العالم. وفي الفلسفة، حدث ولا حرج، فالفلسفة الرواقية متأثرة بفلسفة الفينيقيين في سورية وخرج منها زينون. مر منها أفلوطين، مؤسس الأفلاطونية المحدثة. لوكيوس الدمشقي الذي طور المدرسة الفلسفية الرواقية، الفارابي، وابن النفيس… عن ماذا أحدثكم؟!
سوريا قبلة آسيا وإفريقيا والعالم الغربي. ملتقى الحضارات والمعارك، صمدت أمام الفرس والإغريق والرومان حتى صار ابنها اليوم فارساً في جيناته. سوريا، أول حرف، وأول نوتة موسيقية، وأول زيتونة وأول حبة قمح وأول مأذنة أول ساعة حائط. وأول صيدلانية في الوطن العربي بأسره.
عندما أحدثكم عن سوريا ،لا تتخيلوا شمال الأردن ولا شرق لبنان، بل تخيلوا المشرق العظيم بكليته، وبصدره الرحب الذي ما زال إلى اليوم يفتح يده لمن يريد أن ينضم إليه… فالحديث عن سوريا هو الحديث عن المشرق، حديثٌ يفوق خطوطاً رسمها غربي أو أوروبي مستعرب… سيطول الحديث وسيحتاج إلى مبنىً كامل من الكتب الإلكترونية، لا الورقية، للمرور على حروف سورية وتاريخها وحضارتها وشكلها وجمالها وعظمتها وقوتها وفرسانها بدءاً من فرسان ممالك ما قبل الميلاد مروراً بالامبراطوريات العظيمة وصولاً إلى فارسها الأسد.
واليوم وفي ظل الأحداث التي نراها تعصف بسوريةَ مرة أخرى، نستذكر قول الأستاذ الكبير ناصر قنديل الذي يقول دائماً بأن سوريا هي بيضة القبان. وللأسف، إن أعداءنا أوعى بهذه الحقيقة من الكثير من أبناء سوريا نفسها، فعملوا على نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة على مدى السنوات لإحاطة سوريا بوصمة الديكتاتورية والإرهاب حتى أنتجوا فئة من الناس التي تشعر بالمظلومية الدينية الوهمية التي جعلتهم يقفون في مكانٍ خاطئ تاريخياً.

في الوقت التي حدث فيه ما يسمى بالثورة السورية، كان الواقع أن سوريا تسير بخطىً ثابته نحو النمو الاقتصادي والاجتماعي. فقد ارتفع الناتج الداخلي الخام من 19 مليار دولار عام 2000 إلى 60 مليار دولار عام 2011. وزاد الحد الادنى للأجور بنسبة 300%. كما تم بناء المستشفيات والمدارس وانخفضت نسبة البطالة من 28% إلى 12%. وكانت سوريا قبلة للطلاب العرب وقتها، يدرسون فيها دون تأشيرات. لم يكن اقتصادها مثالياً بسبب الجوار الكئيب بالاحتلال والعقوبات والمؤامرات، ولكنه كان اقتصاداً مكتفياً ذاتياً يمضي في مسار واضح يكمل مسار سوريا التاريخي المشرقي المقدس.

اتهموا سوريا الأسد، الحبيبة، بأكاذيب كثيرة، منها ما يستعطف قلوب المغفلين مثل قصص المراسل الألماني لمجلة دير شبيغل كلاس ريلوتيوس الذي فبرك رواياتٍ كثيرة عن درعا وغيرها من القصص التي انتشرت بين الناس كالنار في الهشيم.
اتهموا سوريا الأسد، الحبيبة، بأنها استخدمت السلاح الكيميائي، تلك التي فبركتها منظمة الخوذ البيضاء المرتبطة بجبهة النصرة التي دبرت مسرحيات لتشويه سمعة الجيش العربي السوري في أذهان الأمة.
والآن بعد أن قام رئيس الموساد بزيارة سرية إلى تركيا قبل عدة أسابيع من تاريخ اليوم، يتحرك الإرهابيون أصحاب الثورة المزعومة بإذن من نتنياهو الذي أذن لهم بالتحرك بثلاث كلمات: الأسد يلعب بالنار. فانطلقوا ليغتالوا أول حرف ونوتة… وأول زيتونة وقمحة… انطلقوا ليغتالوا قلب العالم والحضارة.

إن القلب الذي ينبض بالحياة في صدورنا هو ذاته الذي يجسد صمود أمة تواجه المحن. وكما يجمع القلب بين الأوكسجين والدم ليحافظ على الجسد، كذلك تجمع سوريا بين الحضارة والصمود لتبقى نبض الشرق. في هذا الحديث الذي بدأنا فيه من القلب مروراً بالتاريخ وصولاً إلى السياسة، نجد أن الرابط الوحيد هو روح المقاومة، التي لا تستسلم أمام المحاولات المستمرة لإخماد نورها.
في دمشق، حيث الياسمين يقاوم، وحيث التاريخ يتحدث، لا يمكن أن نكون محايدين. فالسؤال الذي يبقى: هل سنكون جزءاً من هذا النبض المتجدد، أم سنقف متفرجين على قلبٍ ينبض وحيداً؟ سوريا ليست مجرد جغرافيا، بل هي رسالة، ونبض، ووجدان. فلنكن على قدر هذا النبض، لنحافظ على أقدم قلب حضاري عرفه التاريخ.”

آدم سرطاوي-كندا