الزمن زمن العصف والحرب الوجودية، كما أعلنها في الساعة الأولى نتنياهو وغالانت، وقالا لا مكان لإسرائيل إذا هزمت فيها.

وفرضها نتنياهو حرب وجود بلا هوادة، ويقودها بلا تردد أو التفات إلى النصائح والتعليقات والأبحاث والدراسات والتقارير، ولا إلى المعطيات والتحذيرات والخطابات والتهديدات، ولا ولن يرتدع أو يرتهب.

تأخر محور المقاومة في تصديق نتنياهو وقبول المنازلة فيها كحرب وجود، حتى خرج السيد حسن نصرالله في إطلالاته الأخيرة ليصفها بحرب وجود ويضيف “ومصير”.

في حرب وجود ومصير بالنسبة لمحور المقاومة، وحرب وجودية على لسان نتنياهو تسقط أوهام وتمنيات؛ قواعد اشتباك وخطوط حمر وقوانين ناظمة أو شرعيات.

فالحرب العادية ما إن تندلع حتى تسقط الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك، فكيف بحرب وجودية ومصيرية، وهي بالمناسبة حرب غير مسبوقة في تاريخ الحروب. والتعريف الوحيد لها أنها؛ حرب تصفية وإبادة الخصم كسابقتها الوحيدة في تاريخ الشعوب؛ حرب المستوطنين الأوروبيين على القبائل والحضارات في أمريكا الشمالية، بعد أن غزتها جموع شذاذ الآفاق والهاربين من العدالة والقتلة، فأنهوا وجود تلك الشعوب والحضارات.

في حرب وجودية ومصيرية لا قواعد اشتباك، ولا خطوط حمر، ولا ضوابط، ولا قوانين مرعية أو تقاليد سابقة.بكل حال هكذا أدارها ويخوضها نتنياهو، فيرتكب جيشه المجازر تحت الأضواء في غزة، ويحاصر ويجوّع، ويغتصب جيشه الأسرى، ولا يُسأل ولا يرتدع ولا يلتزم بقوانين.

ويضرب في دمشق مقراً دبلوماسياً وفي قلب إيران، واغتال ويغتال في بيروت وفي قلب الضاحية، وقد فعلها مع العاروري، واستمر البعض يتحدث عن قواعد وخطوط حمر وقوانين وضوابط…

في الحرب – كما في الطب والأزمات والتحديات – مفتاح النصر والعلاج الصائب صحة التوصيف للحالة، ومعرفة أسبابها. ومن يخطئ بالتوصيف ويتجاهل البحث عن الأسباب سيخطئ في العلاج والتعامل، وسيتكبد ويكبد المريض والمؤسسة الكثير من الأكلاف والمخاطر.

ربما هذه من الأسباب التي منحت نتنياهو فرص استعراض العضلات، وتنفيذ أعمال، واصطياد قادة، وامتهان سيادات، والتفاخر بقدرات جيشه، وهو مأزوم وعاجز وقاصر، ويعاني من النقص، ومن ظاهرات الهزيمة والاندحار في كل الساحات والجبهات. وتلك تجربته في غزة شاهد عبقري يتعاظم ويقرر مستقبل الحرب ومستقبل الكيان.

خلاصتنا ونصيحتنا؛ تعاملوا معها كما وصفها السيد حسن نصرالله أنها حرب وجودية ومصيرية، وفي هذا النمط من الحروب لا تفيد سياسة النعامة، ولا الدفاعية ولا الانتظارية، ولا انتظار ما يفعله الخصم ليتقرر الرد ومستواه.

لنعد إلى مقولة الإمام علي عليه السلام؛ ما غُزي قوم في ديارهم الا ذلوا.

فلتكن غزوات محور المقاومة في ديارهم، ولتكن المبادرة والمبادأة بيد المحور، وليتقرر الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، ولْتفعّلْ الإمكانات والقدرات والتكتيكات الثورية، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولن يُلجَم نتنياهو إلا عندما يرى مستوطناته ومواقع جيشه وقواعده تسقط تحت أقدام المقاومين.

بغير هذا سندفع المزيد من القادة والكوادر والأطفال والنساء، وسيبقى نتنياهو يعنتر ويضرب ذات يمين ويسار، وحيث كانت له أهداف.

ميخائيل عوض- 🇱🇧 لبنان 🇱🇧